ثمَّ أجَاب عَن ذَلِك كُله بِأَن رب فِي هَذِه الْمَوَاضِع وأمثالها للمباهاة والافتخار وَذَلِكَ إِنَّمَا يتَصَوَّر فِيمَا يقل نَظِيره من غير المفتخر إِذْ مَا يكثر نَظِيره من المفتخر وَغَيره لَا يتَصَوَّر الافتخار بِهِ فَتكون رب فِي هَذِه الْأَمَاكِن كلهَا لتقليل النظير يَعْنِي فَلَا تنفك عَن التقليل وَتَبعهُ على ذَلِك أَبُو بكر الْخفاف وَغَيره وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ابْن أبي الرّبيع بقوله إِن رب لتقليل ذَات الشَّيْء أَو تقليل نَظِيره
وسلك البطليوسي فِي هَذَا الْمَعْنى مسلكا آخر وَهُوَ أَن الشَّاعِر بافتحاره يَدعِي أَن الشَّيْء الَّذِي يكثر وجوده مِنْهُ يقل من غَيره فَوضع لَهَا التقليل فِي مَوضِع التكثير لذَلِك كَمَا استعير لفظ الذَّم فِي مَوضِع الْمَدْح فَيُقَال أَخْزَاهُ الله مَا أشعره إشعارا بِأَن الممدوح قد جعل فِي رُتْبَة من يشْتم حسدا لَهُ على فَضله لِأَن الْفَاضِل هُوَ الَّذِي يحْسد وَذكر جَوَابا آخر وَهُوَ أَن قَول الرجل لصَاحبه لَا تعادني فَرُبمَا نَدِمت تَأْوِيله أَن الندامة لَو كَانَت قَليلَة لوَجَبَ أَن يتَجَنَّب مَا يُؤَدِّي إِلَيْهَا فَكيف وَهِي كَثِيرَة
قَالَ وعَلى هَذَا تَأَول النحويون قَوْله تَعَالَى {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين} وَقَول امْرِئ الْقَيْس
(أَلا رب يَوْم لَك مِنْهُنَّ صَالح ... )
اسْتِعَارَة لفظ التقليل هُنَا إِشَارَة إِلَى أَن قَلِيل هَذَا فَخر لفَاعِله فَكيف بكثيره