الدولة بل استمرت على تجدد الأيام متجددة. وإنما أشفقت في حال الصدمة الأولى؛ وبدء الرزية الطولى؛ على بيت الله المقدس، ومن غدر الفرنج بقصدها، فإن الغدر شيمة لهم في الأنفس. فوقى الله شرهم، ودفع مكرهم، وأوهى أمرهم. ولم يزل من قلوبهم الرعب، ولم يؤثروا على الصلح الحرب. بل طلبوا بقاء السلامة بإبقاء السلك. وخطبوا أجراءهم في الوفاء بعقد الهدنة على الرسم. وبركات نية المرحوم شملت، ووصاياه نفذت وكملت.
وتوجه الملك العادل إلى بلاده الجزرية شرقي الفرات، لإصلاح تلك الولايات،
وإخراس شقائق الهادرين بالإرجاف من أهل الشمات، ليؤذن بهيبة الأسد جمع النقاد بالشتات. وليعيد إلى الأنس شارد الولي الراشد، ويرد بالبأس مكايد الحاسد الحاشد.
والحمد لله الذي أجد الأمن وقد عرت النخافة، وأنزل الرأفة وقد فجأت الآفة. وأبقى الإسلام بعزه والكفر بذله، وثبت قواعد الملك الناصري بجميع شمل أهله، وأحيا بهم سنى إحسانه وعدله، وشيمي أفضاله وفضله. وفي دوام إقبال المجلس السامي دوام إقبالهم، ونظام أحوالهم، وسبوغ ظلالهم، وبلوغ آمالهم.
لما استقر الملك الأفضل بدمشق في مقام والده؛ وشفع طارف ملكه بتالده؛ وأضاف موروث الفضل إلى مكتسبه؛ وأكرم نسبه بكرم حسبه؛ بدأ بالأهم الأفرض، والأتم الأمحض. فقدم إلى الديوان العزيز النبوي نجابين بالكتب، وأنهى الحال فيما ألم من الخطب. ثم ندب ضياء الدين القاسم بن الشهرزوري في الرسالة، إلى منزل الرسالة وموقف الجلالة. وأصحبه عدة والده في الغزاة، أو أن لقاء العداة، سيفه ودرعه وحصانه، وأضاف إلى ذلك من الهدايا والتحف والخيل والعراب؛ ما استنفد وسعه وإمكانه.
فما تهيأ مسير الرسول إلا في أواخر جمادى الآخرة، حتى حصل كل ما أراده من الهدايا الفاخرة. وحتى كاتب مصر وحلب وأعلم بمسير رسوله، حتى لا يظن إنه بسوله. وقصد مداراة اخوته، وفضل بفضل نخوته. وذلك بعد أن جدد نقش الدينار والدرهم بسمتي أمير المؤمنين، وولى العهد عدة الدين. وأمرني بإنشاء
الكتب وتحريرها، وتقريب المقاصد فيها وتقريرها.
أصدر العبد هذه الخدمة وصدره مشروح بالولاء، وقلبه معمور بالصفاء، ويده