من صوب الصواب. مبتهجا بنضرة النعيم، متأرجا بعرف نسيم التسنيم.

وما كان أبهج الأيام بأيامنه، والأعصار بمزاينه، والامصار بمحاسنه. والإسلام بسلطانه، والآفاق بسنى إحسانه. وما كان أسعدنا بدوده، وأجدنا بسعوده، وأغنانا بعدله وجوده. فقد الصباح فلا سنى، ودفن السماح فلا جدى ولا جنى، وغاض البحر فلا غنى. وهوى الطود فلا ثبات، وذوى الروض فلا نبات. ووهى الركن فلا سند، وتنتهي اليمن فلا جدد وغلب الكمد فلا جلد، وعز العزاء فلا عزو ولا قوة ولا عضد.

(إنا لله وإنا إليه راجعون)، ولأمره تابعون، ولحكمه طائعون. لا راد لإرادته، ولا صاد لمشيئته. ولا صادف لمصاد قضائه، ولا صارف لصرف بلائه. ولقد كادت الأنوار تغرب، والأنواء تعزب، والمنابع تغور، والصنائع تبور. والأحوال تحول، والأهوال تهول. وأضواء المعارف لا تضيء، وأفياء العواطف لا تفئ. وزهر السماء لا تشرق، وأزهار الروض لا تؤنق. ومعاقد الإسلام تهي، وميامن الأيام تنتهي. لولا أن الله تدارك الارماق بألطافه، وتلافي الآمال بإسعافه، وجلا وجخ النعمى من خلال البوس، وأهدى البشر يعد العبوس، وأنزل السكينة عند الزلزال على النفوس.

وأجرى الدولة على أحسن العوائد، وأرشد المقاصد، وأثبت القواعد. من استمرارها على الالتئام، واستقرارها في النظام. واستدارها بأفاريق الوفاق، وإهلال بدورها غب المحاق، وطلوع شموسها من الآفاق. وارتفاع فروعها في سماء السمو، واكتداد أصولها في منابت النمو، وانفتاح احداقها النواظر عن نور الأبصار، وانفتاق حجائقها النواضر عن نوار الأزهار. حتى اجتمعت الكلمة المتفرقة

واتحدت، وانتظمت الأفلة المتبددة وتأكدت، وسكنت القلوب الراجفة وأنست، وسكتت الألسنة المرجفة وخرست. وأنارت الخواطر المظلمة، وأفاقت الظنون الراجمة والأفكار المتقسمة. وزاد الرونق، وزال الرنق، وأنجلى الغسق، وتجلى الفلق. واستقامت الامور، واستنامت إلى حفظها الثغور.

ووصلت الكتب العزيزية والظاهرية من مصر وحلب، بكل ما أنجح الارب، ووصل السبب، ومرى در النصر وحلب. وبكل ما أظهر القوة وقوى الظهر، وشد الازر، وأمر الأمر، وسر السر، ونصر الحق وحقق النصر. من الموافقة والموافاة، والموالاة القاضية من الجدة المنجدة بالموالاة والمتابعة والمشايعة في كل أمر يبرم، وكل حكم يحكم، وكل عزم في قمع العدا يصمم، وكل عقد في نصر الهدى يلزم ويتمم.

ووصل المولى الملك العادل فتولى أمر المملوك بكل ما وافق إيثاره، وأشاع على عادة الوالد - رحمه الله تعالى - شعاره، ورفع مناره، وأخلى من كل شاغل باله، ورفه أسراره، وأراح أفكاره. وما في الجماعة إلا من خطب الجمعية وخطب في الجمع، وأعرض عن الهوى للحق المتبع.

فالكلمة متحدة وإن كانت الأنفس متعددة، وما أخلقت هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015