مرفوعة إلى السماء للابتهال بالدعاء، ولسانه ناطق بشكر النعماء، وجنانه ثابت من المهابة والمحبة عن الخوف والرجاء، وطرفه مغض من الحياء، ووجهه مقبل نحو قبلة الاستجداء، وهمته في العبودية فارعة ذروة العلاء. وهو للأرض مقبل، وللفرض متقبل، وبالطاعة ماثل، وللاستطاعة باذل.

وللجهد والإخلاص عارض ضارع، وفجر فخره من الصحة والمناصحة صادق صادع. وهو يمت بما قدمه من الموات، وأسلفه من الخدمات، وذخره ذخر الأقوات لهذه الأوقات، واتخذه عصمة من النائبات، وعوذة من الطارقات، وعدة عند الملمان، وعمدة لدى الخطوب الكارثات، ومصرفا لصروف الحادثات، ومؤلفا للشمل عند شمول الشتات، وعروة للاعتصام بها في أزمن الأزمات، وسلوة من الأسى وأسوأ لجراح المصيبات.

ولا خفاء بما أخافه، وفاض له من بحر البرح وضافه، وأغاض نطافه، وعاق أوان رجاء جنى النجاح قطافه، لولا ان الله تداركه بفضله وأولاه ألطافه. فإنه دهمه ما هدمه، وفجأة ما فجعه، وبغته من الرزء ما صد عنه العيش وصدعه. ونابه ما رابه، وجرعه مصابه صابه. ووافاه من وفاة والده رجمه الله ما كدر صفو الحياة، ومحا عن صفحة صبحه آية الإياه وألم بألم الأمل، وأحال إلى العطل، وحلأ عن النهل والعلل. وأذهب بهجة الايام، وأشمت الكفر بالإسلام. وسر الشرك منه ما ساء التوحيد، وقرب من إشفاق القلوب وإشفاء الكروب البعيد، وعطل الجهاد وأراح الحديد. وشب حقود العداة على أنها ما شبت إلا لتخمد، وشام حدود العتاة على أنها ما شيمت إلا لتغمد. وهذا الحادث أرجف المرجفون بحديثه

وأثاروا كوامن الثار، وحركوا الأوتار بتأثيره وتأريثه. وأخرج أهل النفاق رءوسهم من كل نفق، وعاد ثبات ثباتهم إلى نفار وقلق. ومن مان مستمسكا من ولاء الدار العزيزة بالعروة الوثقى، مستلئما من عدد أيامها ومدد إنعامها بالدرع الأقوى الأوقى، فإنه لا يحتفل يحفول أخلاق أهل الخلاف، ولا يتحلحل طود حجارة الراسي وحصاة الراسخ لعواصف ذوي الإجحاف.

وقد أحاطت العلوم الشريفة - مجدها الله - بأن الوالد السعيد، الشديد السديد؛ المبير للشرك المبيد، لم يزل أيام حياته، وإلى ساعة وفاته؛ مستقيما على جدد الجد، مستنيما في صون فريضة الجهاد إلى بذل الجهد. مستنفدا في كل ما يحوز به المراضي الشريفة وسعه، مستفرغا طاقته في الشغل الديني الذي يهدي بصره وسمعه. فكم قبض يدا بسطتها بالفتنة الفئة العادية. وكم فرض سنة أعلت سناها للمجتلين، وأحلت جناها للمجتدين الدعوة الهادية.

ولكم أخرس دعاة الأدعياء، وحرس ولايات الأولياء. وكانت بكتائبه وكتبه سيوفه وأقلامه للأقاليم أقاليد، ولم تزل جنود الشيطان وجموع الطغيان في الممالك بمماليك الدار العزيزة وعبيدها عباديد. وامطر بلاد الكفر من دماء أهلها شآبيب، وأقام بها منار الإسلام ومنابره لما أناب عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015