كان الملك العادل مع السلطان في الصيد قبل وفاته، وكان موافقه ومرافقه في مقتنصاته. فلما عاد السلطان إلى دمشق ودعه ومضى إلى حصنه بالكرك للاستراحة، غير مطلع على سر الغيب في الأقضية المتاحة. فنابه النائب، ولم يحضر وقت احتضاره الأخ الغائب. فلما عرف وصل إلى دمشق بعد أيام، ولم يقم لتنفيس كرب الحادث ولم يحدث نفسه بمقام، ولم يرم ثلاثا، ولم يرم لباثا. ورحل طالبا لبلاده بالجزيرة، حذرا عليها من أهل الجزيرة.
وكان السلطان جعل له كل ما في شرقي الفرات من البلاد والولايات. ومضى كما ومض بارق، وتخوف أن يطرق بلده طارق. فلما وصل إلى الفرات؛ وجد مما خافه دلائل الفترات. فأقام بقلعة جعبر، ولم يحشد ولم يستحضر العسكر؛ رغبة في السلم والسلامة، ومحبة للدعة المستدامة. وسير إلى الولايات الولاة، ووصى برعاياه الرعاة.
واستناب في ميافارقين وحاني وسمياط وحران والرها، وشحنها بالشحن واستقام أمرها. وحسب أن الأعداء إذا سمعوا بسمعه، جمعوا لجمعه، وتدافعوا لدفعه. وسكن وسكت، وتبين وتثبت. وعلم العدا إنه في خف قخفوا، وعرضوا وصفوا. وما كفاهم ما هم فيه فهموا وما كفوا. وسافوا تراب الطمع وأسفوا، فجرت حركتهم هلكنهم، وأذهب الله عند مجيئهم بركتهم.
كان الأمير بكتمر صاحب خلاط، قد هجر الاحتياط، ووصل النشاط. وضرب البشائر أرزء صلاح الدين، وظهر في النوب الخمس بشعار السلاطين. وتلقب بالملك الناصر، وحدث أمله بجر العساكر. وراسل صاحبي الموصل وسنجار،
وطير إليهم كتب الاستنفار. وضم إليه من ماردين ماردين. وطار وطاش، وارتاش وانتاش. وخلط من خلاط الاوشاب والأوباش.
فبينا في أتم غرور؛ وأنم سرور؛ وأحب حبور، وأشب سور؛ وأرقد عين، وأركد عين؛ وأغفل قلب؛ وأذهل لب؛ وأطول أمل في أقصر أمد؛ وأكثر مدد في أقل مدد؛ وقد خرج من الحمام؛ ولم يدر إنه داخل إلى مغتسل الحمام، استشهد على أيدي الإسماعيلية. ولعل الله غفر له ونقله بشهادته إلى جنته العلية. وذلك بخلاط يوم الاثنين رابع عشر جمادى الأولى من هذه السنة، وكأن أيامه كانت أحلامنا رئيت في السنة.
وأول بادئ بالخروج متولي ماردين - فإنه مرد، وحشد المدد، ونزل على حصن الموزر بالعزم المزور والجد المزور. وهذا الحصن كان السلطان اقتطعه عن