أعمال ماردين حين كان أهله عليه ماردين. فلما صالحهم استبقاه واستثناه، وأضافه إلى نائبه بالرها وأعطاه. ثم تحرك عز الدين أتابك مسعود بن مورود بن زنكي - صاحب الموصل، وخرج في الجحفل الحفل وأضافه أخوه عماد الدين زنكي بنصيبين، وخرجوا لنداء اللقاء مجيبين.
وقدموا الرسل إلى الملك العادل سيف الدين، وقالوا: تخرج بلادنا، وتدخل في مرادنا فكتب إلى بني أخيه يستنجدهم ويستنفرهم، ويستصرخهم ويستنصرهم. فأنجدوه بالأمداد، وأمدوه بالأنجاد. فجاءوه من كل فج ووافوه فوجا بعد فوج. وكان أنجاد حلب أقرب، ولدر الإسعاف أحلب.
ولما عرف الملك الأفضل أغتم واهتم، وجمع عسكره وضم، وخص وعم، وكتب إلى صاحبي حمص وبعلبك، واستدعى عسكرهما الترك. فسار أخوه الملك الظافر الدين خضر، وروض عسكره بورق الحديد الأخضر نضر، والملك العادل لقدومه منتظر. وأما لمواصلة فإنهم ما أسرعوا بل أبطئوا، وما أصابوا بل أخطئوا.
وسمعوا أن الأمداد العادلية الوافية متوافية، وأن فئته كافة كافية مكافية. فتجنبوا وتجنبوا، وكانوا قد وصلوا إلى رأس عين فأقاموا وسكنوا.
والملك العادل مخيم بظاهر حران في جموعه وجنوده، وأعلامه وبنوده، ومساعديه وسعوده. وعزمه على اللقاء مصمم، وقلبه بحب الظفر متيم. وجده غالب، وحده سالب، وجده لظباء النصر حالب، ولطيب الذكر جالب. وسيف سيف الدين باتر واتر، ولحظ الشمس من غبار خيله الساتر فاتر.
وتقارب العسكران حتى أن الطلائع تتواجه وتتجابه، ورجال اليزك تتناجى وتتناجه. وكان من قضاء الله المحتوم؛ وسر قدره لبمكتوم؛ تفليل غروب القوم وتقليلهم، وحار تأملهم وخار تأميلهم، وجحفل رألهم ورتع رعيلهم. وذلك بما قدره الله من فرض اتابك صاحب الموصل، ولم يطق الإقامة بالمنزل. وأشفى على الخطر، وأشرف صفو حياته على الكدر. فعاد إلى الموصل في محفة، ورجا أن يتبدل ما ألم به من ثقل ألم بخفه.
وقهقر عماد الدين راجعا، ولمن وثق به من أشياعه فاجعا، وتضرع صاحب ماردين وتذرع، وتشفع بالأمراء والأكابر وخضع. حتى وقع عنه الرضا، وصفح له عما مضى. وأجرى على القاعدة السلطانية معه، وكان قد ضاق به الفضاء الرحب لولا العفو عنه وما وسعه، ورأى عماد الدين أن القوم خانوا واستكانوا، وما رعوا له العهد كما كانوا. فاضطر إلى الانكفاء، وكف عن اللقاء، فخلا الجو، وجلا الضو، وعلا النو.
وأتى الملك العادل الخبر بوصول ابن أخيه الملك الظافر إلى الفرات، في عسكر دمشق لأهل الثبات. فكاتبه بمنازلة سروج وهي من أعمال عماد الدين، وأمده بابن تقي الدين، وابن المقدم عز الدين ليث العرين. فنزلوا على سروج يوم السبت ثامن رجب وفتحوها يوم الأحد تاسعه، واستولوا على البلد واماكنه ومواضعه.
ورحل الملك العادل منتصف