المنتسجة، وتمهدت الآصري الممترجة، وتفتحت أبواب الألفة المرتتجة. وتوافوا على التوافق، وتصادقوا على التصادق. وتعاضدوا على الأخذ بالتساعد، وتعاقدوا على ترك التقاعد.
وتولى حلب واعمالها، وحصونها ومعاقلها؛ وكرائم البلاد وعقائلها؛ الملك الظاهر غياث الدين أبو الفتح غازي. وهو برجاحته وسماحته للطود والجود الموازن الموازي. وتلك مملكة أقطارها واسعة، وأنصارها شاسعة. فحواها وحملها، وبماء العدل رواها وقواها، وأعز رجال الرجاء، وهز أعطاف العطاء. ورحب لوراءه ورواده رحابه، وسحب بحيا الأحباء سحابه. وأبرت مبراته، وأثرت مأثراته، وسح وصح غيثه وغياثه، ورعى رعيته فشبعت ورويت ظماؤه وغراثه. وزخرت أمواجه، وزهرت بثواقب المناقب أبراجه. وصابت سماء سماحه، وطابت صبا صباحه.
وعزت بسيرته كتب التواريخ، وعزى قلمه وسيفه إلى عطارد والمريخ. وسعدت وفوده، ووفدت سعوده. وأثر من أمره النفاذ، وكثر بظله اللياذ. وأدنى الأبرار، وأقصى الأشرار. وخص الأعزة الخواص بالإعزاز وأوعز بما يعود به إلى نضارة الغني الذي ذوى لذوى الاعواز. وتمهد لسلطانه الأساس، واطرد لإحسانه القياس. ووجد من عثر من أيد يده الانتعاش، وعشا إلى جدواه الكجتدي وعاش. وفرض الفرص، ورفض الرخص. وأدى الفروض، وقضى القروض. واستدنى من المناجح شاحطها، واستدرك من المصالح فارطها. وملك خلق التحفظ، وسلك طرق التيقظ.
وفرق وجمع، وخرق ورقع. وغلب وبلغ، ودمر أهل الكفر والنفاق ودمغ. وشفى واشتفى، وكفى واكتفى، وراع وراق، وفات وفاق. وطلب وأدرك، وأخذ وترك. وفاض بالفضل، وراض بالعدل.
وقدم الحزم، وصمم العزم. وأحيا السنن، وأولى المنن. ولها بالجد عن اللهو، وانتهى بالعدو إلى البأس المر وبالولي إلى النائل الحلو. وأمر ونهى، وأوهن معاقد ذوي المكايد وأوهى. ووفى للوفى، وصفا للصفي. وأقر البيرة واعمالها، وما يجري معها على أخيه الملك الزاهر مجير الدين داود، ولم يزل مقبولا أمره مردود، ودخل في أمره صاحب حماه؛ وأعزه وحماه وهو ناصر الدين محمد ابن الملك المظفر تقي الدين. واتسع الملك، واتسق السلك. وكاتب الجوانب وراسل، وفارق من رأى وواصل، وطال باعه، وأطاع أشياعه. وهمت همته بالزيادة، وسمت لسمت السيادة.