وتولى الملك الأفضل نور الدين أبو الحسن على - ولد السلطان - دمشق والساحل وما يجري مع ذلك من البلاد. ونفذت في البلاد أوامره، ونفدت في الرجال ذخائره. ورتب الأمور أجمل ترتيب، وهذب الشئون أكمل تهذيب. وجلا السرير السلطاني بنوره، وأسفر صباح الإقبال بإقبال سفوره. وهدى وهدأ، وملأ بالبشر المتبلج والنشر المتأرج الملأ. وهذب وأذهب، ورغب وأرهب. ورتب وربت، وأصلى وأصلت. وأثر وأرث، ولم الشعث. وأبهى وأبهج، وأجد المنهج المنهج، ورجح ونجح، ومن ومنح.
وأرسى وأرسخ، وبذ وبذخ. ووعد واوعد، وجدد الجدد. وأذاع بحميته سر حمايته واعاذ، ووجد الملاذ من وجد منه الملاذ. وأمر وأمر، ونضر ونظر، وعز وأعز، وحاز وحز. وساس وراس، وملك الباس والناس. وأشاع البر وأعاش، وأشبع الجياع وروى العطاش. واستخلص ذوي الاختصاص، واختص أهل الإخلاص، ونهض واستنهض وعرض واستعرض. وربط عزمه الرباط، وأحاط علمه وحاط. وحفظ أولي الحفائظ، ولاحظ العرف وعرف إنه لاحظ لغير اللاحظ. وصنع واصطنع، وأبدى وأبدع. ومد الظل واسبغ، وسوى الفضل وسوغ. وأهمى العوارف، وأمهى الرواعف. وحقق الحقوق، ورتق الفتوق. وضم الملك، ونظم السلك.
وجلس في دار العدل، وأتى بالحكم الفصل. وحزم وجزم، وعزم والتزم. وزاد وزان، وأغاث وأعان. وابر أرباب الهوى، وأمر من أرباب التقوى القوى. وحمى النابه، ومحا المكاره. وفاض بغزارة العطايا، واستفاض بطهارة السجايا. وآوى إليه اخوته، وضم جماعته. وجهز أخاه الملك الظافر مظفر الدين خضرا، واصحبه عسكرا مجرا. وأنهضه لإنجاد عمه الملك العادل، فأنار في فضاء الفضائل، وسار بجحفله إلى الجحفل الحافل. فالتزم الشروع، وهزم الجموع.
وقارع القروم، وكان الهازم والعدو المهزوم.
وكانت حمص والمناظر والرحبة وبعلبك وما يجري معها في المملكة الانضلية داخلة، وإمداد طاعات الولاة والأولياء بها متواصلة. وصاحب حمص والرحبة الملك المجاهد أسد الدين شيركوه بن محمد ابن شيركوه ابن ابن عم السلطان، وهو أثير الشان، أثيل المكان. فوصل إلى دمشق مطيعا، ولسر صدقه ونشر صداقته مذيعا مشيعا، فأحلى له الملك الأفضل جنى شهيا، وأحله وسيعا. وعقد له حبا الحب، وحباه بكل ما سفر عن سفور مودة القلب، ووفور مواد القرب.
وكذلك وصل صاحب بعلبك الملك الأنجد مجد الدين بهرامشاه ابن فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب طائعا، وللأمر الأفضلي تابعا. فأدناه وأجناه، وأحبه وحباه، وأسناه وأسماه، وآواه وآساه. فتأكدت بينهم القرابة المتشجة، وتشبكت اللحمة