تولي ولده العزيز عماد الدين أبو الفتح عثمان مصر وجميع أعمالها، وأبقاها على اعتدالها، ونقاها من شوائب اختلالها واعتلالها. وأحيا سنتي الجود والبأس، وثبت القواعد من حسن السياسة على الأساس. وأطلق كل ما كان يؤخذ من التجار وغيرهم باسم الزكاة، وضاعف ما كان يطلق برسم العفاة. وجاد وأجاد، وأبدى الكرم وأعاد. وبسط وقبض، وابرم ونقض. وحل وعقد، وبر وافتقد. ووضع ورفع، ومنح ومنع، وأبصر وسمع، وضر ونفع، وقطع وأقطع، واصل وفرع. ووعد وأنجز، وأوعز بغنى من أعوز، وبرز وأبرز، وجاهد وجهز. وعرض الكتائب، وفرض المواهب.
وأجرى الصدقات، وتصدق بالجرايات. وأدر وأدار، وأجاز وأجار. وأغنى وأسعد، وأدنى وأبعد. وقدم أمر بيت الله المقدس، واعتمد في اعتماد الاشوس الاسوس. وعجل له بعشرة آلاف دينار مصرية، لتصرف في وجوه ضرورية. ثم
أمده بالحمل، وأفاض عليه من الفضل. وقرر واليه عز الدين جرديك على ولايته، وقوى يده برعايته. ووالى حمل الغلات من مصر إلى القدس، وأبدل وحشته بوفاة السلطان من وفائه بالأنس. وجلس في دار العدل ففصل ووصل، وأحسن وعدل. وقضى وحكم، وأمضى وأحكم.
وأحضر نواب ديوانه في إيوانه، واستعرض منهم قوانين سلطانه. واستقرى الضياع والإقطاع، وعمم الاصطفاء والاصطناع. وحل إقطاع من أقام بالشام، الزم جند مصر بالخدمة والمقام. وما أبقى إلا ما في يدي من الضياع، وصان حقوقي من الضياع. وأمر بتخليده، وأجد جدى بتجديده. فجاءني كتابه الكريم بكل كرم مكتوب، ومحبوبه من الرفد محبوب.
ورعى في عهد الوالد، وأضاف الطارف عندي من العرف إلى التالد. هذا وأنا غائب، وبرأيي رائب، ولسواه كاتب ونائب. وما أحوجني في النوال إلى السؤال، وأغناني استرساله في إغنائي عن الإرسال. ولم تفتقر مقاصدي ووسائلي إلى تسيير القصائد والرسائل، وما أغرب بدار فواضله للحلول بدار الأفاضل.
ثم أشفق غدر الفرنج في فسخ الهدنة، فأتى من تجهيز العساكر إلى البيت المقدس بكل ما في المكنة. ثم سمع بحركة المواصلة ومن بايعهم، وتابعهم وشايعهم. قد خرجوا في إيمانهم حانثين ولعقد إيمانهم ناكثين. فخيم ببركة الجب، واستشار أمراءه أهل الرأي واللب. وجهز جيشا جائشا، وبعثا لعثار الدولة ناعشا؛ في كل مقدم مقدام؛ وهمام همام، وضيغم ضرغام، وقرم قمقام. فوصلوا إلى دمشق وقد فرغ العادل من حرب القوم وسلمهم، وهز منهم أعطاف الاستكانة له بعد هزمهم. فرأى أن الحمد أعود، والعود أحمد.
وسيأتي ذكر ذلك في مكانه، عند ذكر الملك العادل وما رفع الله من شأنه.