ودخلت سنة تسع وثمانين وخمسمائة والسلطان مقيم بدمشق في داره، وممالك الآفاق في انتظاره، والأيام مشرقة بمطالع انواره، والليالي مترقبة صباحها لإسفاره. ورسل الأمصار مجتمعون على بابه، منتظرون لجوابه، والوافدون قاطفو جني جنابه. والضيوف في فيوض إنعامه عائمون، وبفروض حقوقه قائمون. والفقراء في رياض صدقاته راتعون، وفي كلأ كلاءته راعون وادعون. ودار العدل بالفضل دارة، وأسرار المنى بالمنائح سارة.
والسلطان يجلس في كل يوم وليلة لإسداء الجود، وإبداء السعود. وبث المكارم، وكسف المظالم، وتنفيذ المراسم، وإمضاء العزائم، وتشيد الدعائم، وتقرير العظائم. والاهتمام بمصالح الإسلام، ومناجح الأنام. والاغتنام للمسلمين بما يتم في بلادهم
من الخطوب، وينم من الكروب.
ولمجالسة العلماء، ومساجلة الفضلاء وموالاة الأولياء، ومصافاة الأصفياء. وأعداء الملهوف، وإسداء المعروف. ومل ملازمة البلد، وخرج عن حكم الجلد. وبرز إلى الصيد شرقي بزاد خمسة عشر يوما، وأوسع من لم يوافقه على الخروج لوما. واستصحب معه أخاه العادل وأبعدوا في البرية، وظهروا عن ضمير (ضمير) إلى الجهة الشرقية. وطابت له الفرص، ووافق مراده القنص.
ثم عاد يوم الاثنين حادي عشر صفر، ووجه بشره قد سفر؛ ووافق ذلك عود الحاج الشامي فخرج للتلقي، وسعاداته في الترقي ولما لقي الحجاج استعبرت عيناه، كيف فاته من الحج ما تمناه. وسألهم عن أحوال مكة وأميرها وأهلها، وخصبها ومحلها، وكم وصلهم من غلات مصر وصدقاتها، وعن المجاورين والفقراء ورواتبها وإداراتها، وسر بسلامة الحاج، ووضوح ذلك المنهاج. ووصل من اليمن ولد أخيه سيف الإسلام، فتلقاه بالإكرام، وأنزله في كنف الاهتمام.
جلس ليلة السبت سادس عشر صفر في مجلس عادته، ومجلي سعادته. ونحن عنده في أتم اغتباط، وأتم نشاط. حتى مضى من الليل ثلثه، وهو يحدثنا ونحن حدثه. ثم صلى به وبنا إمامه، وحان قيامه. وانفصلنا بإحسانه مغتبطين، وبامتنانه مرتبطين. وأصبحنا يوم السبت وجلسنا في الإيوان، ننتظر خروجه لوضع الخوان. فخرج بعض الخدام، وأمر الملك الأفضل أن يجلس موضعه على الطعام. فحاء وتصدر وتربع في دسته، وجلس يسمته وسمته. وتطيرنا من تلك الحال، وتفللنا بحد ذلك الفال.
ودخلنا إليه ليلة الأحد للعيادة، ومرضه في الزيادة. وتوفي بكرة الأربعاء السابع