وساعده صاحب أرزنكان وأمن اختيار الدين إلى المذكور واختاره، واستأذن
السلطان أن يقصد دياره، ويقيم عنده إلى أن يصلح أمره مع أولاده. ويأذن له في العود إلى بلاده. فاستصحبه صاحب ارزنكان، واوقع عليه في الطريق التركمان. فقتلوه شر قتلة، ومثلوا به وبولده أقبح مثلة.
فلما عرف ملكشاه أن وجه والده خلا؛ وأنه عن حسن بن غفراس سلا؛ ساق إليه؛ وأخنى عليه. ودخل قونية دار مملكته، واستبد بحوز حوزته، وقوى بعزته، وعز بقوته. وقال لوالده: أنا بين يديك، أشفق عليك. وأنفذ أوامرك، وأوفر مآثرك. وقتل أمراء كانوا لأبيه، وألزم خدمته من لا يشتهيه. فبقى معه كالمعتقل، يظن حاليا وهو العطل.
واستكتبه إنه ولى عهده، والقائم بالسلطنة معه ومن بعده. وتصرف في خزانته وملك اقسرا، وفرع وفرى، وقرع وقرا، وقطع وبرى.
وقد مضى حديث ملك الألمان؛ في ذلك الأوان. وكيف وصل وعبر إلى الشام، وكيف قوى بهم في وهن الإسلام. واستصحب معه والده إلى قيسارية؛ لقسر أخيه نور الدين سلطان شاه وحصره، واظهر إنه بأمر والده وأنه شاد ظهره. وخرج عسكر البلد وصف، ووقف وكف.
ورأى قليج ارسلان أن ولده عنه مشغول؛ وأن عقد حراسته له محلول. فخرج من الصف مفارقا للولد، وساق ودخل إلى البلد. فأضافه الولد الآخر وأكرمه، وبره واحترمه. وانفصل ملكشاه إلى قونية وملك تلك الأمكنة، وقد استبد بالسلطنة. وبقي قليج أرسلان يتردد في بلاده، وفي ضيافة أولاده. ينتقل من بلد إلى بلد، ومن ولد إلى ولد. وكلهم يضجر منه، ويعرض عنه. حتى حصل عند ولده غياث الدين كيخسرو - صاحب برغلو - فقواه وآزره، وضافره وظاهره. وجمع وحشد له، واخذله وما خذله. وجاء به إلى قوني فدخلها. وحلى به عطلها.
وخرج ليأخذ اقسرا فتعذرت، وتمنعت عليه وتعسرت. واسترغب الاوجية، وجمع
العسكرية. فمرض فجاءه به، وقد توفى، إلى قونية في محفة، ونزل يمشي قدامه ويظهر إنه من المرض الثقيل في خفة. حتى دخل المدينة وقلعتها، واجتازها واحتاز مملكتها. واستدعى الأعيان فاستحلفهم، واستمالهم وتألفهم. ثم اظهر لهم وفاة أبيه، وأنه وارث ملكه ومتوليه، وقوى على قطب الدين ملكشاه أخيه.
وتوفي في هذه السنة القاضي شمس الدين محمد بن محمد بن موسى المعروف بابن الفراش. كان من أهل الفضل، والرياسة والنبل. وهو قاضي العسكر الحاكم المحكم، والكريم المكرم. والسلطان يعول عليه في المهام، وفي الأمور العظام. ويؤهله للرسائل وأخذ المواثيق والعهود، وتولى الولايات والعقود. ولما أخذ شهرزور سلمها اليه، وعول فيها عليه. وما برح بها حتى انعم بها على صاحب اربل مظفر الدين؛ فعاد القاضي شمس الدين. فأرسله السلطان إلى قليج ارسلان وأولاده، ليصلح بينهم ويعيد أمرهم إلى سداده. فتردد بينهم سنة، ولم تزل مساعيه مستنجحة مستحسنة. وعاد ووصل إلى ملطية، وقد استكمل من عمره لله العطية. وتوفي بها في شهر ربيه الآخر من السنة، وانتقل إلى الله بأعماله الحسنة.