خرج السلطان من القدس ضحوة الخميس خامس شوال، وقد دبر الأحوال، وأقام بعدله الاعتدال، وأفاض والأفضال. وجاوز ناحية البيرة، وقد جلا جلاله سنى راياته المنيرة. وبات على بركة للداوية، بالهمة الروية والعزمة القوية. ونزل على نابلس ضحوة يوم الجمعة، وجمع شتات مصالحها المتوزعة. وكثرت الاستغاثات على سيف الدين على المشطوب صاحبها، وأنه قد طرق الرنق إلى مشاربها، وزاد في رسومها ونوائبها. وأقام بها إلى ظهر يوم السبت حتى كشف مظالمها، وأضحك بالعدل والإحسان مباسمها. وأسقط رسومها الجائرة، وأمات سننها الضائرة، وأصفى بها شرعة الشريعة، وأضفى ظلال للرعاية للرعية في مراعيها المريعة.
ورحلنا بعد الظهر، وبتنا ليلة الأحد عند ظهر حمار بموضع يعرف بالفريديسة، ورتعنا في مروجها الانبسة. وأصبحنا راحلين، ونزلنا ضحوة على جينين. وهناك ودعنا المشطوب وداع الأبد، فإنه انتقل بعد أيام إلى رحمة الواحد الصمد. وكانت وفاته يوم الخميس السادس والعشرين من شوال.
ورحلنا يوم الاثنين وجئنا إلى بيسان، وأزال حلول السلطان عنها البؤس وأشاع الإحسان. وصعد إلى قلعتها المهجورة الخالية. فأبصر قللها العالية، وقال: هذه إذا عمرت دامت في حضانة الحصانة، وكان جبلها لوثوقه مستودع الأمانة، والصواب بناء هذه وتخريب قلعة كوكب. ولم يزل حتى بين كيفية بنائها ورتب. ووعد بإحكامها، وإعلاء أعلامها.
ثم ظهر ظهرا وبات على قلعة كوكب، وشاهدها وصعد نظر رأيه فيها وصوب. ورحل عنها ضحوة الثلاثاء، ونزل بظاهر طبرية وقت العشاء. وهناك لقينا بهاء الدين قراقوش وقد خرج من الأسر، وتلقيناه بالبشر والبر. وأقمنا بها يوم الأربعاء لتوافر الأنداء، وتواتر الأنواء.
ورحلنا بكرة الخميس ونزلنا بقرب قلعة صفد تحت الجبل، وصعد السلطان إليها وأمر بتسديد ما فيها من الخلل. ثم سار يوم الجمعة على طريق جبل عاملة ونزل ضحوة بضية يقال لها: الجش، وهي عامرة محتوية على سكانها كأنها العش. وسرنا منها وخمينا على مرج تبنين، وبتنا بأحوال قلعتها معتنين. وأصبح السلطان حوالي حيطانها بأحوالها محيطا، ممتطيا قرا قلعتها وأسباب اختلالها مميطا. ووصى الوالي بعمارتها وجعل مصالحها بكفايته منوطة؛ وسدادها بسداده منوطا.
ثم رحلنا بكرة السبت وجزنا على قلعة هونين، ونزلنا من الجبل، وبتنا على عين الذهب؛ واجتمعنا بالثقل. ورحلنا يوم الأحد وخيمنا بمرج عيون، وجلس السلطان على عادته معنا في تدبير الممالك تلك الليلة وسهرت العيون.
ورحلنا عصر يوم الاثنين ووصلنا السير