بالسرى، وقطعنا في الطريق الوعر الوهاد والذرا، وعبرنا بين عمل يسرة وعمل وادي التيم يمنة على الضياع والقرى. وعرسنا على مرج تلفياثا مقابل مر القنعبة، ودفعنا إلى سلوك الميالك الصعبة.
ثم أصبحنا يوم الثلاثاء على الرحيل إلى البقاع من تلفياثا فخيمنا على جسر كامد، والسلطان مشغول في طريقه من تقرير العمارات وتحرير سنن الحسنات باقتناء المحامد. ثم غدونا يوم الأربعاء وخيمنا بناحية قب الياس، وقد أصحرنا إلى الفضاء. وأقمنا ذلك النهار راتعين من الفواضل السلطانية في النعماء. ولما جن الليل جمعتنا بالحضرة السلطانية الأنوار، وسرت أسماعنا منه أسماء رجال الفضل والكرم وسنتهم لا الأسمار.
ودخل السلطان يوم الخميس إلى بيروت، وأنجز بالوصول إليها وعده الموقوف. ونزلت الأثقال على مرج قلميطية بالبقاع، وأقامت خمسة أيام على الاستراحة والإيداع.
ولما وصل السلطان إلى بيروت تلقاه عز الدين أسامة، بكل ما وقوفرت به الكرامة، واستقبل الأصحاب بصدر رحيب، وظل خصيب، وسماحة أريب، وسجاحة لبيب، وفتحت الاهراء - على غلاء الغلات بالثغر - ورفع أغلاقها، وسبلها وما قيد إطلاقها. وقرى وأضاف، وأدنى القطاف، وأصفى النطاف وتلطف في الهدايا وأهدى الألطاف. وفرق على الصغير والكبير التحف، وأحضر للسلطان ولكل من معه الطرف. وأغنى وأقنى، وأعدم في الجود الموجود وأفنى وأعطى الخيل والمماليك والجواري والملابس، وبذل النفائس، وزف على أكفاء المحامد في أبكار المناقب العرائس.
واظهر في مكان الشدة الرخاء، وفي مظنة الضن السخاء، وأهب في إعصار الإعسار لرجال الرجاء من سماء الرخاء. وأحضر كل ما عنده مما كسبه في الغنيمة؛ جريا على كرم الشيمة؛ من الجوخ الإفرنجية، والثياب البندقية، والهنابات الفضية، والأكواب اللجينية. والسروج واللجم، والأكسية والجزم. والمهاميز والملاليط والغفافير، والعروض والدراهم والدنانير. ففرق من ذلك ما جمعه، ورفع إلى كل منهم ما أسمى قدره ورفعه، وما انفصل عنه إلا كل مواصل بشكره، مساجل أمثاله بذكره، مضوع كل ناد للكرام بنشره. وقام بالسلطان وبكل من صحبه مدة مقامه، وأعجب وأعجز ما صدق من اهتمامه.