خواصه ووافى يافا، موقنا من الله تعالى أن مدد نصره إليه يتوافى. وحمل إليها من معتقلي نبات الأسل ومشتملي بنات الخلل الأسد والعرين. فإذا نزل بساحتهم، فساء صباح المنذرين. فأخذها بالسيف عنوة وأعاد ضرام النيران بها جنح ضحوة، وأتى القتل والنهب على من وجد فيها من الكفار، واستخرج ما بها من الأموال والعدد والاذخار. وخلص من المسلمين من كان بها في الإسار، وأضحت الفرنج فيها تبارى بالتبار.
وطلب من بالقلعة الأمان على أن يسلموا من القتل ويستسلموا للأسر. ونزل البطرق والقسطلان والمرشان وجماعة من المقدمين خرجوا ودخلوا تحت القهر. قبيناهم مشتغلون بالنزول، ومنقطعون إلى الوصول، جاءهم الغوث في البحر، وظهرت منهم إمارة الغدر. ورجع العدو عن مقصده ورده الله وخذله، ونصر الإسلام وأخذ له، وسره بما يسره له وأجذله، ونال سيف الدمار من سيب دمائهم
عله ونهله.
وكان المقصود ردهم عن موردهم، وصدهم عن مقصدهم. فأبى ما قيضه الله من فتح الهدى وحتف العدا على الأرب. واهتزت أعطاف البيض والسمر المنتشية من كأس نجيعها للطرب. والقوم الآن قد اشتغلوا بمصابهم، واجتمعوا لضم ما انتشر من أسبابهم. وراسلوا في الصلح على أن نخلي لهم عسقلان ما أجيبوا، وعلموا بجهلهم أنهم ما أصابوا فيها دبروه لإدبارهم فأصيبوا. والعساكر الإسلامية اليوم عليهم مجتمعة، ومسالك المهالك لضائقتهم ومضايقتهم متسعة، وقد آن أن تحل معاقد معاقلهم التي هي ممتنعة.
وكل ما يجده الله من علو يظهر، وعدو يقهر، ونصر يزهر، ونصل بالظفر يشهر؛ فهو ببركات الاستمساك بطاعة المواقف الشريفة الامامية المنتصرية، وبحمد الله ويمن أيامها وفضل إنعامها دلائل النصر ظاهرة، وأسباب الظهور متناصرة، ووجوه الآمال بنشر نجاحها ويسر ما في اقتراحها سافرة.
لما عرف ملك الانكتير أن العساكر قد اجتمع؛ والخرق عليه قد اتسع؛ وأن القدس قد امتنع، وأن العذاب به وقع، خضع وخشع، وقصر الطمع. علم إنه لا قبل له بمن اقبل، ولا ثبات مع الجحفل وقد حفل، فأظهر إنه إن لم يهادن أقام واستقتل، وللشر استقبل. وأنه عازم على العودة إلى بلاده، لأمور مردها يعود إلى مراده. والبحر قد آن أن يمنع راكبه، ويسنم بالأمواج غواربه. فإن هادنتم وطاوعتم تبعت هواي، وإن حاربتم وعصيتم ألقيت هاهنا عصاي، واستقرت نواي. وقد كل الفريقان، ومل الرفيقان. وقد نزلت عن القدس وأنزل عن عسقلان. ولا تغتروا بهذه العساكر المجتمعة من الجهات، فإن جمعها في الشتاء إلى الشتات، ونحن إذا أقمنا على الشقاق والشقاء؛ رمينا أنفسنا على البلاء. فأجيبوا رغبتي، وأصيبوا
محبتي. وأودعوني العهد ودعوني، ووادعوني وودعوني.