المجهود، وجرى الأمر على الوجه المحمود.
وإنما وقع التندم، كيف لم يقع في أخذ القلعة التسرع والتقدم. فتعاصت بعد الإذعان، وتعذرت بعد الإمكان، وجمحت بعد الأصحاب، وجنحت بعد الاكثاب. وأفلتت وقد وقعت في الحبالة، واستقلت العثرة والاستقالة. وضعف الفرنج من تلك الكرة، وآذن نشاطهم بالفترة وما انتعشوا ولا انجبروا من تلك العثرة والكسرة.
وعاد السلطان وخيم على النطرون، والعسكر قار القلوب قرير العيون وجاء إليه الملك الأفضل ولده، والملك العادل أخوه، وأسفرت بالمسار الوجوه، وكان ولده الملك الظاهر أيضا قد وصل، وفي الغزاة حضر وبيمنها حصل. وكذلك كان قطب الدين سكمان بن محمد بن قرا ارسلان حاضرا، وأخذ من السعادة حظا وافرا، وحصل بيده جرح يئس أن يؤسى، وظن تلك النعمة بؤسى. ثم اندمل جرحه، وفازت قداحه وحاز السنى قدحه.
وأقام السلطان حتى اجتمعت العساكر، ولحقت أوائلها الأواخر. ووصل الملك المنصور ناصر الدين ابن تقيه في بيضه وسمره ومشرفيه وسمهريه. هذا والملك العادل متأخر في المخيم. بسبب عارض السقم، وملم الألم. ورحل السلطان ونزل بالرملة والعساكر في عدد الرمل، والإسلام قرير العين من أهله بجمع الشمل، والفضاء قد امتلأ، والقضاء قد اجترأ، والقدر قد أسعد والسعيد قد قدر، والنصر قد أبدى الصفو وأذهب الكدر وتلك البرية قد حوت البرية، وجمعت العسكرية، والكمت الجارية والكماة الجرية. والأعراب والعراب، والمحارب والحراب، والأجاود والجياد، والاساود والآساد. والبياض والسواد، والعدد والأعداد.
الخادم حاله على ما أنهاه غير مرة في مرابطة أهل الكفر مستمرة، وأفاويق النصر على حفولها تارة وبكئها أخرى مستدرة. والحرب سجال، وللإسلام في مضمار الظفر مجال. وقد تجاوزت القصة عن حد الإنهاء، وكلما شارفت القضية
الانتهاء، عادت إلى الابتداء. والحادثة متصلة والواقعة مستقبلة، والنعمة من الله في إجراء أوليائه على أجمل عاداته بإنجاز عداته في قمع عداته مؤملة.
وما ينقضي يوم إلا عن نصرة تتجدد، ونعمة تتمهد، وجمع للعدو يتبدد، وجمر لنكاية فيه يتوقد، وخد للسيف من حده بدم الشرك يتورد وفتح بكر من الحرب العوان بلقاح البيض الذكور يتولد.
وآخر ما تم في هذه الأيام من مرهجات الكفر ومبهجات الإسلام، حظوة حلوة، ونوبة ما لها نبوة. وهي أن الفرنج لما أعجزهم قصد البيت المقدس، ولم يستقم لهم ما سولوه ي الأنفس، عكسوا زعمهم، ونكسوا عزمهم. وعادوا خائبين، ونكصوا هائبين. واستأنفوا مكيدة أخرى وشرعوا في شر خلف الشرك به يمرى. واجمعوا على قصد مدينة بيروت، وتآمر على الاتجاه نحوها أعداء الله أولياء الطاغوت.
فسارت العساكر الإسلامية على مباراتهم، لمضايقتهم في مضايق طرقاتهم وتجرد الخادم في