ونكبتها وحولتها. وكتب السلطان إلى العساكر الواصلة إلى دمشق أن يكونوا مع ولده، وأن يضموا إمدادهم إلى مدده ونزل بمرج عيون والفرنج بعكاء بعد، تجاوز ولم تعد.
ولما رحل ملك الانكتير وسار؛ وخلى وراءه الديار، ترك في مدينتي يافا وعسقلان، جمعا من منتخبي الرجال والفرسان، ووصاهم بالجلد؛ في حماية البلد؛ فانتهز السلطان فرصة الغيبة؛ وأوفد إلى مساغ رجائهم غصة الخيبة. ونهض بعسكره الحاضر، ولم يتمهل لانتظار العساكر. ووافى يافا ووفاها بكيل المنجنيق أحجارا، واراق دماء وساق دمارا.
وزحف الناس وحفز البأس. وفرعت المدينة، ورفعت منها السكينة. وقتل من بها ومسح، وأخذ ما بها وكسح. ووجدت الأحمال المأخوذة من قافلة مصر فأخذت وحملت، وعلت الأيدي والسيوف من الدماء والأموال ونهلت. ونفضت كنائن، ونظفت خزائن، واستخرجت دفائن، وولجت مكامن. وحصل استمتاعنا بأمته،
وانتفاعنا بكل منفعة. وامتلأ البلد الكافر بالمسلمين، وبقيت القلعة وطلب حماتها الأمان ليكونوا لها مسلمين، وكان الناس قد سبقوا إليها، وقرب أن يستولوا عليها، وذلك يوم الجمعة العشرين من رجب، وقد شارف من فيها الشجب، فلما طلبوا الأمان رد الناس وكفوا، فظن أن الغنيمة تصفو. فإنه خرج البطرك الكبير ومعه جماعة من المقدمين الأكابر، على أن يدخلوا تحت حكم الإسار؛ ويسلموا جميع المال والعدة والذخائر. على أن يطلق كل واحد منهم بأسير، ويفدى صغير بصغير، وكبير بكبير.
وشرعوا في الخروج آحادا وعشرات، وعصبا متفرقات في ساعات حتى دخل الليل فاستمهلوا إلى الصباح، وطلبوا واقترحوا من يقف لحفظهم؛ فبذلنا لهم ما عينوه من الاقتراح، وما زال يخرج منهم من يستدعي زيادة التوثقة: وتنفيس خناقهم بالمضايقات المرهقة، حتى وصل ملك الانكتير في البحر، في مراكب في سواد الليل بل ظلمة الكفر، ودخل هو القلعة من الجانب البحري ونادوا بشعائر الغدر، فاكتفينا منهم بمن حصل في الأسر. وندمنا كيف خرجت اللقمة من الفم، ولا نفع بعد فوات الفرصة للندم.
ولو أن السلطان توقف في تأمينهم، واستمر على توهينهم. لقلعت أساس تلك القلعة. ونفضت رقعة تلك البقعة. ولقد كان ذلك فتحا عظيما، وفضلا من الله عميما. فقد امتلأت الأيدي بغنائم المدينة، ووهت أسباب قواهم المتينة. واستعيد ما نهبوه من الكبسة المصرية، وفزنا بالغنائم السنية. وقتل من أقام بالبلد وأسر، وكشط جلد تلك المدرة وبشر. وحصل في اليد من مقدمي القلعة نيف وسبعون، وتركوا وهم بالثبور يدعون. وكان القصد في الأول رجوعهم عن قصد بيروت، وخشي على فرصة حفظها أن تفوت، فمن الله تعالى بحصول المقصود، وفزنا بجنى الجهاد بغير بذل