وخصهم وعمهم من الجود بإمداده. وعول أن يسير معه إلى الجهة التي يقصدها، ويساعده على الضالة التي سنشدها. وسمع ناصر الدين بن تقي الدين بما اقلقه، ودفع منه إلى ما أرهجه وأرهقه. ووصل رسوله إلى الملك العادل وهو بالقدس لاجئا إلى ظله، راجيا لفضله. لائذا بجنابه، عائذا ببابه، مستجيزا
بإرعائه، مستجيبا لدعائه. مفوضا ما حل به إلى أوار آرائه، مروضا ما حل أمره بأنواء آلائه. فاحتمى له واحتمله، وقوى على تقويته أمله.
وخاطب السلطان في حقه واستعطفه، وشفع في أمره واستشفعه. وقال: أمضي إليه وأستحضره، وأومنه مما يحذره، وتبقى هذه السنة عليه حران والرها، وتشد من رجائه بذلك ما وهي. وتعطيه في السنة الأخرى حماة والمعرة، وكفى المضرة والمعرة. ثم قرر السلطان مع أخيه العادل أن يأخذ تلك البلاد ويحويها، ويملك حوزتها ويحميها، ويكف عنها ويكفيها.
واستقر أن ينزل عن اقطاعاته بمصر ونصف خاصه، وإذا أخذ تلك البلاد - فما يجاوره - يجتهد في استخلاصه. فأبدى على الرضى بذلك وجه كراهيته واعتياضه، واستزاد قلعة جعبر فتمنع الملك الظاهر من تسليمها حتى استظهر من أبيه بأضعافها واستظهر.
وتقرر مسير الملك العادل في العشر الأول من جمادى الأولى، وكتب السلطان بعود الملك الأفضل فجاء هذا راجعا، وذهب ذاك مسارعا. ووصل إلى حران والرها، ففاز من تدبيره بالنجح المشتهي، وبلغ من مراده. إلى أمد الامل المنتهى. وعاد في آخر جمادى الآخرة وقد استصحب ابن تقي الدين، ووصل في هذا الشهر إلى دمشق ابن صاحب الموصل علاء الدين. وصاحب آمد - ابن قرا أرسلان قطب الدين، وعسكر صاحب سنجار ومقدمه - مجاهد الدين يرنقش. واجتمعت بدمشق في هذا الشهر عساكر بها الإسلام يأنس، والكفر يستوحش. وأقامت تنظر مسير الملك العادل لتسير في خدمته؛ وتتجلى راياتها في مطالع رايته.
لما تعذر على الفرنج قصد القدس، وعرفوا أن مرضهم به في النكس؛ ورأوا أن ثغر بيروت قد براهم؛ وعراهم من القوة ما منه عراهم. وأنه قد قطع عليهم طريق البحر بمراكبه؛ وقد فجعوا بمصائبه ونوائبه؛ فقالوا: أخذ هذا البلد هين، وقصده متعين، وإذا حاصرناه جذبنا السلطان وعساكره إلى جانبه، وخلا القدس من جمة كتائبه، وجمرة مضاربه، فتبادر إليه من يافا وعسقلان من يجد في تملكه الإمكان، فلما عرف السلطان ما عزموت عليه من القصد؛ ودبروه من الكيد؛ أمر الملك الأفضل بمباراة القوم في الرحيل، وقطعهم بكل سبيل عن تلك السبيل. وسبقهم إلى مرج عيون، حتى إذا تيقن من قصدهم المظنون، سبقت العساكر إلى بيروت ودخلتها، ونكت الفرنج