من أمناء السلطان، وقد أنس الفرنج به لتردده في الرسالات نحوهم في سالف الأزمان. فلما حضر أرسله إلى السلطان، ليتحدث في خروج من بعكاء بأنفسهم بحكم الأمان، وطلبوا في مقابلة ذلك ما يدخل تحت الإمكان. وزادوا في الاشتطاط وتناهوا في الاشتراط. فأنفذ السلطان الملكين العادل والأفضل، ليفصلا المجمل، وبحملا إذا حزا المفصل. فتردد العدل مرارا، ووجد منهم على الإضرار إصرارا. ولم تتحرر قاعدة، ولم تظهر فائدة. وانفصلوا على غير قرار، وعادوا والأمر بغير إمرار.

ذكر جماعة من العسكرية وصلوا

في يوم الثلاثاء رابع عشر الشهر وصل سابق الدين - صاحب شيرز. وفي يوم الأربعاء بدر الدين أيوب بن كنان؛ وقد حشد وحشر. وفي يوم الخميس أسد الدين شيرطوه؛ وقد أبهج بقدومه العسكر. وفي هذا التاريخ ضعف البلد وعجز من فيه، ضعفا لا يمكن تلافيه. ووقف كرام أصحابنا وسدوا الثغر بصدورهم، وباشروا الأسنة المشرعة إليهم بنحورهم. وشرعوا في بناء سور يقتطع جانبا، حتى ينتقلوا إليه إذا شاهدوا العدو غالبا.

ذكر ما طلبه الفرنج في المصالحة على البلد

وكانوا اشترطوا إعادة جميع البلاد، وإطلاق اساراهم من الأقياد. فبذل لهم تسليم عكاء بما فيها دون من فيها فلم يفعلوا، وبذل لهم في مقابلة كل شخص أسير فلم يقبلوا، وسمح لهم برد صليب الصلبوت اليهم فانفصلوا عن الأمر ولم يفصلوا.

ذكر استيلاء الفرنج على عكاء وكيفية دخولها

وفي يوم الجمعة السابع عشر من جمادى الآخرة، ماجت الفرنج ببحور جموعها الزاخرة، وسالت إلى ثغر البلد سيل الأتي إلى القرار، وطلعت في السور المهدوم طلوع الأوعال في فرج الأوعار. وانحدر عليهم أصحابنا انحدار الصخور المدهدهة، وفرسوهم فرس الآساد المحرجة المكرهة. وردوهم أقبح رد، وصدوهم أفظع صد. وما زالت الكرات تتناوب؛ والحملات تتعاقب، حتى كلت الرجال، وفلت النصال. وعرفوا أن الفرنج يستولون، وعلى أحد منهم لا يبقون ولا يخلون.

فخرج سيف الدين علي بن أحمد المشطوب وحسام الدين حسين ابن باريك، وأخذوا أمان الفرنج على أن يخرجوا بأموالهم وأنفسهم على تسليم البلد، ومائتي

ألف دينار، وألف وخمسمائة أسير من المجهولين ومائة أسير من المعروفين، وصليب الصلبوت، وعشرة آلاف دينار للمركيس،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015