الدهم والكمت بالشقر والشهب. واختضبت البيض، وتألق من بوارقها الوميض. ورقصت قدود السمر على غناء الصواهل، وحركت رياح السوابق ذوائب الذوابل.
فللدروع من الضرب قعاقع، ولعواصف الألوية زعازع. ولغربان الرماح نعيب، ولغران المقربات لتقريب النصر البعيد تقريب. ولحريق الظبا معمعة، ولرحى الحرب الزبون جعجعة.
واللاحقيات سابقة ولاحقة، والسريجيات راعدة وبارقة، وشموس الترائك على بدور الأتراك شارقة، ونبال النبل من عيون أعيان الكفر مارقة، (وأيدي الأسنة هاتكة، لحرز النحور سارقة). وثعالب الأسل في لبة الأسد ضابحة، ونشاوي اللدان من نجيع الأقران غابقة صابحة. في رايات يجاذبها ذراع الفلك فتقود عقبانها العقبان، وصفاح يصافحها شعاع الشمس فيكسو لجينها العقيان.
وتقدم السلطان إلى الأمراء فترجلوا، ونازلوا حين نزلوا. وهجموا على الضراغم في آجامها، وأحوجوها بحد الإقدام إلى إحجامها. ونصب صارم الدين قايماز النجمي علمه على سور الفرنج بيده، ووقف عنده بجلاده وجلده. ووصل في ذلك اليوم عز الدين جورديك، ومعه من النورية المماليك. فترجل وقاتل وأبلى، وأضرم نار الوغى وأصلى، وما ترك من جهده شيئا ولا خلى.
وبات العسكر تلك الليلة على الخيل تحت الحديد، منتظبا لنجح الأمل البعيد. فقد كنا تواعدنا مع أهل البلد أنهم يخرجون تحت الليل رجالة وعلى الخيل، ويسرون
بأجمعهم على جانب البحر سرى السيل. ويذبون عن أنفسهم بسيوفهم، وينجون بأنفهم وعز أنوفهم. ولو صح هذا الموعد؛ لنجح المقصد. لكن الفرنج اطلعوا على السر، فاضطلعوا بالشر. وحرسوا الجوانب والأبواب، وارتابوا بما أراب. وكان سبب علمهم اثنان من غلمان الهاربين، خرجا إلى الملاعين. واخبراهم بجلية الحال، وعزيمة الرجال.
وأصبح العسكر يوم الجمعة العاشر، وقد جمع من الخيل والرجل المعاشر، واقفة على ترتيبه صفوفه، مرهفة على عدوه أسنته وسيوفه، ودام ذلك اليوم على التعبية وقوفه. ولم يتحرك من القوم ساكن، ولم يظهر من العدو كامن. بل خرج ثلاثة من الرس واجتمعوا بالملك العادل فعادوا بعد ساعات ولم يفصلوا قسما من أقسام الرسائل، وانقضى النهار والعسكر بالعدو المحيط بالبلد محيط، ولأذى مقامه مميط. وبتنا على تلك الحالة، وأهل الهدى مراصدون لأهل الضلالة.
وأصبحنا يوم السبت وقد ركبت الإفرنجية وتدرعت، وتحزبت وتجمعت. حتى ظننا أنهم اللقاء، فهاجت العزائم منا إلى الهيجاء. وخرج من بابهم أربعون فارسا ووقفوا واستوقفوا، واستدعوا ببعض المماليك الناصرية، فلما عطف إليهم عطفوا إليه، وأخبروه أن الخارج صاحب صيداء في أصحابه، وهو يستدعي نجيب الدين أبا محمد العدل لخطابه. وهذا العدل