وأربعة آلاف دينار لحجابه.

فلم نشعر إلا بالرايات الفرنجية على عكاء مركوزة، وأعطاف أعلامها مهزوزة. وما عندنا علم بما جرت عليه الحال، وما أحد منا ألا والبال منه قد عراه الوبال. وعم البلاء، وتم القضاء. وعز العزاء، وقنط الرجاء، ولوت أعناق المسار اللأواء.

ونسب السلطان ذلك بعد قضاء الله وقدره إلى تقي الدين وما عن له في سفره، فإنه مضى على أن يعود بأضعاف عسكره. فاشتغل بقصد خلاط وأثار في ديار بكر الاختباط، والاختلال والاختلاط. وتأخرت عساكرها عن القدوم، فنتج تأخر نصف العساكر فوات الغرض المروم. وكذلك لم يكن في البلد عدد يفي بصونه، وما كان يضبطه السلطان إلى هذه الغاية لو لم يكن الله في عونه.

ونقل الثقل تلك الليلة إلى منزله الأول بشرعم، وأقام بخيمة لطيفة متلهفا على ما تم، ثم انتقل سحرة ليلة الأحد تاسع عشر الشهر إلى المخيم، صابرا على حكم القضاء المبرم، وحضرنا عنده وهو مغتم، وبالتدبير للمستقبل مهتم. فعزيناه وسليناه. وقلنا: هذه بلدة مما فتحه الله وقد استعادها عداه. وقلت له: إن ذهبت مدينة فما ذهب الدين، ولا ضعف في نصر الله اليقين. وما وعكت بعكاء القلوب إلا ولكربها يوم النصر على الأعداء تنفيس، ولو حشتها بعد هذه الحادثة الموحشة تأنيس، ولهذا الدين وان تداعت قواعد بقعة من بقاعه بالعز ليفاعه تأسيس.

وخرج في هذا اليوم (اقوش) - رسولا ندبه بهاء الدين قراقوش. يخبر ما قرروه من القطيعة، ويصف كيفية الملمة الفظيعة. وقال: أدركونا بنصف المال، وجميع الأسارى، وصليب الصلبوت قبل خروج الشهر، وإن تأخر شيء من ذلك بقينا تحت الأسر، ونصف المال يصبرون به إلى شهر آخر.

فأحضر السلطان الاكابر، وفاوضهم في ذلك وشاور. فقالوا: إخواننا المؤمنون ورفقاؤنا المسلمون، وهل لنا عذر ونحن لهم مسلمون. فتقبل السلطان بتحصيله، وتعجيله بجملته وتفصيله.

وأنشأت في استيلاء الفرنج على عكاء هذه الرسالة وسيرت بها كتبا

قد عرف أمر عكاء وأن العدو قصدها ورصدها؛ ونزلها ونازلها؛ وقابلها وقاتلها. وبرك عليها بكلكله، وحفل عندها بجحفله. وتواصلت إليها جموعه أفواجا، وجلب البحر نحوها على اثباجه أمثال أمواجه أمواجا. وجاءت رابضة أمامها، ضاربة خيامها، ملهية بها غرامها، ملهبة فيها ضرامها. وانتهت المدة إلى عامين، كل عام تحمل مدود البحر من إمدادها بحارا ويرد الماء بأهل النار مستصحبين من ماء الحديد الجامد نارا. وتصل مراكبهم كأنها الأعلام السود والأمواج ناشرة بيض أعلامها، مالئة جبالها بآكامها، مازجة إصباحها بإظلامها. وتتنافس ملوكهم الباغية، وطواغيتهم الطاغية، في الورود بنفوسها ونفائسها، والوصول بما نفضت فيه كنائن كنائسها، مستخرجة ضمائر خزائنها، مستفرغة ذخائر مكامنها، موضعة ظعائن ضغائنها. مستبضعة متاع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015