نقيب الجاندارية الناصرية ومقدمها، فشفع فيه على إنه يضمن على نفسه العودة ويلتزمها. فعاد في ليلته، وأسقط عنه المذمة بأوبته. ووقع بعد ذلك في الإسار، واستفكه السلطان بعد سنة بثمانمائة دينار.

فصل من كتاب إلى مظفر الدين صاحب إريل في المعنى ووصف الحال

قد سبقت مكاتبتنا إليه بشرح الأحوال، وما نحن عليه من رجاء النصر الذي هو متعلق الآمال. وأن ملوك الفرنج وجموعهم قد وصلوا، ونازلوا الثغر واحتفلوا. والآن فإن منجنيقاتهم هدته بكثرة الضرب، وكثرت ثلم السور في مواضع النقب، وعظم الخطب، واشتدت الحرب. وأشفى البلد وأشرف. واشتفى العدو بما فيه أسرف.

ولما لج العدو في الزحف، واستسهل في التطرق إلى البلد طريق الحتف، ركبنا في عسكرنا إليه، وهجمنا عليه. لكنه بسوره وخندقه محتم، وإلى مطمحه البعيد من أمره. ولما عاين أصحابنا بالبلد ما عليه من الخطر؛ وأنهم قد أشفوا على الغرر، فر من جماعة الأمراء من قل بالله وقوفه، وأعمى قلبه فجوره وفسوقه. ولقد خانوا المسلمين في ثغرهم، وباءوا بوبال غدرهم، وما قوى طمع العدو في البلد إلا هربهم، وما أرهب قلوب الباقين من مقاتلته إلا رهبهم. والمقيمون من أصحابنا الكرام، قد استحدوا مر الحمان واجمعوا انهم لا يسلمون حتى يقتلوا من الأعداء أضعاف أعدادهم. وأنهم يبذلون في صون ثغرهم غاية اجتهادهم. وكانوا قد تحدثوا مع الفرنج في التسليم فاشتطوا واشترطوا، فصبروا بعد ذلك وصابروا ومدوا أيديهم في القوم وبسطوا. فتارة بخرجونهم من الباشورة وتارة من النقوب، والله تعالى يسهل تنفيس ما هم فيه من الكروب.

ونحن وإن كنا للقوم مضايقين؛ وبهم محدقين وعلى جموعهم من الجوانب متفرقين، فإنهم يقاتلوننا من وراء جدار، ويعلمون أنهم إن خرجوا إلينا في تبار. والهجوم على جمعهم مستصعب ممتنع، والعسكر على مركزهم متألف مجتمع. ولله قدر لا يرد، وقضاء لا يصد. وسر لا يشارك في علمه، وأمر لا يغالب في حكمه. وعلى الله قصد السبيل، ونجح التأميل، وتدقيق الطافه في دفع الخطب

الجليل، وما توفيقنا إلا بالله وعليه توكلنا وهو نعم الوكيل.

ذكر ما جرى من الحال

وفي ذلك اليوم وهو الخميس زحف الخميس، وحمى الوطيس، وتحرك بالضراغم الخيس. واسود الجو، وأنسد الضو. وانقضت القضب انقضاض الشهب، واشتبهت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015