ذكر خروج سيف الدين على المشطوب إلى ملك الافرنسيس

ولما تمكن الفرنج وتكاثروا على عكاء من جانب؛ وعروه بكل نائب؛ ومل أصحابنا فيها لكثرة من استشهد وجرح؛ وقلة البدل الذي كان قد اقترح؛ ونقب العدو الباشورة حتى وقعت منها بدنة؛ وزادت المخافة فلم يبق معها أمنة، خرج المشطوب إلى ملك الإفرنسيس بأمان، وحضر عنده بترجمان. وقال له: قد علمتم ما عاملناكم به عند أخذ بلادكم، من النزول عند طلب أهلها الأمان على مرادكم. وأنا كنا نؤمنهم، ومن المسير إلى مأمنهم نمكنهم. ونحن نسلم إليك البلد على أن تعطينا الأمان ونسلم، وإذا فعلت هذا فقد حزت المغنم، فقال: إن أولئك الملوك كانوا عبيدي، وأنتم اليوم مماليكي وعبيدي، فأرى فيكم رأبب من وعدي ووعيدي.

فقام المشطوب من عنده مغتاظا ولم يلبث لحظة، وأغلظ له في القول عملا بقول الله تعالى: (وليجدوا فيكم غلظة). وقال: نحن لا نسلم البلد حتى نقتل بأجمعنا، فيكون مصرعكم قبل مصرعنا. ولا يقتل منا واحد حتى يقتل خمسين، ومتى عرف أن الأسد يسلم العرين!.

ذكر هرب جماعة من الأمراء والأجناد من البلد

ولما عرف رجوع المشطوب؛ ولم يظفر بالغرض المطلوب؛ قال جماعة من الأمراء قد تضجروا بما هم فيه من التعب والعناء: هذا الأمير الكبير؛ والمستشار والمشير قد أشتغل باله، فسواه ما باله. وعمروا بركوسا ورأوا في هربوهم رأيا منكوسا، وربحا في دار البقاء مبخوسا. وذلك ليلة الخميس التاسع، وقربوا عليهم الأمر الشاسع.

وجاءوا إلى العسكر مختفين، ومن رفقائهم في نسب الوفاء والوفاق منتفين. فنمى إلى السلطان الخبر بهرب الجماعة، وأنهم خرجوا لله وله عن الطاعة، وأنهم جبنوا عن بذل الاستطاعة، وخفضوا عنهم صيت الشجاعة، وأبدلوا الإضاءة بالظلمة والحفظ بالإضاعة، وكان فيهم من الأمراء المعروفين وذوى الشهامة الموصوفين، عز الدين أرسل - وهو الذي كان المثل بشهامته يرسل. وحسام الدين تمرتاش بن جاولي - وهو شاب أول ما توفى والده وجا ولى. وسنقر الوشاقي من الأسدية الأكابر، ومقدمي العساكر. وكل منهم محظوظ بالإقطاع الوافر. فقطع السلطان اقطاعاتهم واقطعها، وحبس عنهم عند الرضا بعد مدة مديدة بشاشة وجهه ومنعها.

واستعاذ (ارسل) بالأسدية ثم بالملك الأفضل، المفضل المؤمل. وتوسل ابن جاولي بالملك العادل، وكلهم توسل بفضل الأجل الفاضل. فلم تعد معيشتهم، ولم تعذب عيشتهم. وعادوا ممقوتين. وبحدود السن الذم منحوتين، وبضعف القلب وقوة الخور منعوتين.

وكان من جملة الهاربين عبد القاهر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015