وفي الاثنتين انسلاخ الشهر، ذكر عن المركيس إنه هرب إلى صور، وأنه كشف للجماعة المستور. ونفذوا وراءه قسوسا، والقوا عليه من الضلالة في الاستمالة دروسا. فنبا قبوله، وانقطع وصوله.
وكان سبب نفاره؛ وموجب استشعاره؛ أن (هنفري) كانت زوجته ابنة الملك الذي هلك والقدس في يده، وعادتهم إنه إذا مات ملك ينتقل ملكه إلى ولده. وسواء في هذا الميراث، بين الذكور والإناث. فيكون الملك بعد الابن إذ لم يخلف ابنا للكبرى، فإذا توفيت عن غير عقب كان للصغرى.
وكان الملك العتيق (كي) أخذ الملك بسبب زوجته الملكة، فعزلوه عن الملك لما احتوت عليه يد الهلكة. وبقيت هذه زوجة هنفري، فأصبح المركيس عليه بجترى،
ويقول: لست من أهل الملك لتكون الملكة لك زوجة، ولا بد لي من تقويم هذا الأمر حتى لا أبقى فيه عوجة. وغصبها منه، وصرفها عنه. واتخذها له عروسا، وأحضر لنكاحها قسوسا.
وقيل إنها كانت حبلى ولم تخرج الحبل، فما شغلتهم حرمة الرحم المشتغل. وأدعى المركيس أن الملك انتقل بها غليه، وأن أمر الفرنج بشرعهم في يديه. فلما جاء ملك الانكتير تظلم إليه هنفري والملك العتيق، فانفتح بذلك له إلى مؤاخذة المركيس الطريق. فاستشعر المركيس منه وماقر، وأخذ معه الملكة وفر.
وفي يوم الاثنين انسلاخ جمادى الأولى قدم عسكر سنجار، وقد سد بسواد عديده النهار، وأفاض ببياض حديده الأنوار، ومقدمه مجاهد الدين برنقش الشهم الشديد، والسهم السديد. والألمعي اللوذعي، والكميش الكمي، والنقاب النقي، والعف التقي. وهو ذو همة في الغزو عالية، وعزمة بالمضاء المضيء حالية، وقيمة في سوم السلطان لقربه غالية، وسريرة خالصة صافية من الكدر خالية.
وأكرمه السلطان في استقباله بنفسه، وإقباله عليه بأنسه. وسار بعسكره إلى أن وقف تجاه العدو من جانب البحر مما يلي الزيب، وقد أحسن في عرضه التدبير والترتيب. ثم عاد في خدمة السلطان مكرما إلى جنبه، مدما على صحبه. فأنزله في خيمته وخصه بمواكلته. وتقدم إليه بالنزول في ميسرته.
وفي يوم الأربعاء ثاني جمادى الآخرة، وصل جماعة من عسكر مصر والقاهرة، بالعدة الوافرة والقوة الظاهرة. مثل: علم الدين كرجي - الذي يسرع إلى لقاء أقرانه ولا يرجى، وكسيف الدين سنقر الدووي، ذي الزند الوري، والسيف الروي،
وأمثالهما من المماليك الناصرية، والمساعير الأسدية. أسد العرين، الشم العرانين، الغر الميامين.