زالت نجوم النصول تنقض، وختوم النحور تنفض، وعيون العيون ترفض، وديون الذحول وحقوق الحقود تقتضى، وأبكار الدروع بحدود الذكور تقتض.

في شعواء حضرها التباب الغائب، ونكباء لها من الذوابل ذوائب. وبحر تسبح فيه السوابح، وشرب بكاس المنية منها المهج غوابق صوابح. وغبراء أساود نبالها تتواثب عن عقارب القسي، وثعالب لهاذم صعادها تتلاعب في أراقم السمهري. وذباب ظباها في مسامع الذئاب، وعقبان راياتها تحلق إلى مطالع السحاب. وغدران سوابغها تفيض عليها جداول القواضب، وغران سوابقها تغيض في غطامط الغياهب. وأرواح أغمادها البارية عن الأجسام برية، وقلوب آسادها الضارية على الردى جرية.

حتى دخل على ليل النقع الليل، وجرى من ديمة الدم السيل، والتفت لما التفت بالخيل الخيل، وأفرج المأزق عن قتلى جر عليها من السوافي الذيل. واستشهد من المسلمين بدوي وكردي، (ولكم وقع من المشركين رد ردى)، له في الهاوية هوى، وعليه من زفير جهنم دوى. اسر من العدو فارس بفرسه، ولأمته وقونسه. وتفرق الفريقان عن المعترك عند معتكر الدجى، وقد عم من الشجب ماشجا.

وقعة أخرى

وأصبح العدو يوم الأحد التاسع والعشرين، وقد أخرج من جانب النهر راجلا في عدد رمل يبرين بقواطع يبرين. وقواضب يفرين، وطوالع غروب في الطلى يغربن؛ وبالردى يغرين، وانتشروا ممتدين وامتدوا منتشرين. فلقيهم اليزك بكل من يزكيه عند شهوده مضاء كالقضاء، ويوافقه القضاء في المضاء. وكل معتقل للرديني أخف إلى الوغى من سنانه، وكل مشتمل للمشرفي خضيب الغرا ريانه، وكل ملتثم بعثير حصانه، معتنق لعطف مرانه. وكل صبح كالصباح نضارة وجهه في شحوبه مدفونة، وكل قارح على قارح شرارة عزمه في سكونه مكنونة.

وامتد راجلنا امامهم، وأثبتوا قدامهم أقدامهم. وطال القتال، وطارت النبال. وحاضت الذكور، وفاض التامور. وأعمى العثير وعم العثور، وأسروا منا واحدا فأحرقوه فصحب نوره بين يديه إلى دار القرار، وأسرنا منهم واحدا فأحرقناه فشبثت به تلك النار إلى النار. وشاهدنا النارين في حالة واحدة تشتعلان، والصفان واقفان يقتلان.

وفي يوم السبت الماضي هرب خادمان ذكرا أنهما لأخت ملك الانكتير وانهما كانا يكتمان أيمانهما في سر الضمير. وأخبرا أنها زوجة صاحب صقلية فلما هلك صادقت في الاجتياز بها اخاها هذا الملك. فألزمها بأن تتبعه واستصحبها معه. وقدرا ما النجاة من تلك الفاجرة لنجاة الآخرة. فأكرم السلطان وفادتهما، واجزل بالإحسان إفادتهما.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015