في بحور الأعنة، وكل رام فروج المأزق حتى تفرى بأيدي المذاكي، وكل شاك في السلاح مشكور في إشكاء الحق الشاكي. وكل مصمم مصم درعه محقبة، وسهامه غير مجعبة. وسيوفه غير مقروبة، وقبابه لمداومة إجراء قبه غير مضروبة.
وسار السلطان وقد اسودت لوقع السنابك جوانب جحفله، وابيضت بلمع الترائك مذاهب قسطله، واشتبهت في النقع ألوان خيله، وامتدت إلى قرار اللقاء أعناق سيله. فكأنما غارت الشمس من شموس شمسه، فتوارت بالحجاب، وعد النقع في وبل النبل من حساب السحاب.
وولجت العساكر عليهم في خيامهم، وحملت ليالي القتام إلى أيامهم، وغلت الصدور بما فيها، حتى وصلوا إلى القدور على أثافيها. وهتكوا وفتكوا، وأدركوا وسفكوا. فتراجع الفرنج، واصطفوا على خنادقهم، ووقفوا بقنطاريتهم وطوارقهم. واجتمع عسكرنا لعلهم يحتمون ويحملون ويعلون من دمائهم وينهاون. ودخل الظهر، وحمى الحر، فافترق الفريقان، وتراجع إلى خيامهم الجمعان.
وفي يوم الاثنين الثالث والعشرين من الشهر، ضايق أهل الكفر البلد على الحصر. وكانت الوقعة بالوقعة السابقة شبيهة، وكانت من أشدها وأجدها كريهة. غير إنه في هذه النوبة عرضت نبوة، وكادت تتم كبوة. فإن الفرنج لما تراجعوا عن البلد وجدوا فئة من عساكرنا داخل خنادقهم، فحملوا عليها بسباق رجلهم وراكبي سوابقهم. فانتشب الحرب، واشتجر الطعن والضرب. وكثرت الجراحات، وكرثت الاجتراحات. واستشهد ممن عرف من المسلمين اثنان، تسلمهما رضوان إلى الجنان، وقتل من المشركين جماعة أسرع بهم مالك إلى النيران.
ومن عجائب هذه الوقعة، أن رجلا من مازندران من أهل الرفعة؛ وصل في تلك الساعة وافدا، واستأذن وقت السلام على السلطان أن يقدم مجاهدا. فحين شهد الوقعة استشهد، فلقي الله بعهده كما عهد.
وقعة أخرى
وفي يوم السبت الثامن ولعشرين من الشهر خرج العدو فارسا وراجلا، ورامحا ونابلا. وامتدوا من جانب البحر اطلابا، وتحزبوا في ذلك الفضاء أحزابا. وركب السلطان من مجالس عادته، وإلى مجال سعادته، موقنا أن أداء عبادته، في إبارة العدو وإبادته. وتقدمت المقدمة وأقدمت، وجحمت نار أقدامها وما أحجمت. وما