ورصاص وحديد ونحاس. وقربوها إلى أن بقيت بينها وبين البلد أذرع خمس، وفي طباقها سباع ضوار وذئاب طلس. وبلى البلد منها بكل بلية، ورزى بكل رزية. وكانت هذه الدبابة على العجل، ليقربوا بتقريبها أسباب الأجل، فباتت القلوب منها على الوجل.

وكاد أصحابنا يطلبون الأمان، وخضع كل أبى واستكان، فقارعوا عندها أشد قراع. وما صعوا أجد مصاع. وتوالت عليها من مساعير الرهط؛ قوارير النفط. وهي تضرب في حديد بارد، وتضرب عن كل شيطان مارد. وتنبو عن الإحراق، وتنبي عن الإخفاق. حتى بدرت قارورة انقضت على شيطانها كالشهاب، فأخذت الدبابة وقلوبهم قبل جسومهم في الالتهاب. فعوذناها بسورة (والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى) فجاء من انقلاب القارورة قرار القلوب، ومن حر أنفاسها برد النفوس، وكشف شعاعها ظلم الكروب، ونزعت بشاشتها عن الوجوه لبوس العبوس. وأنارت نارها لنا بكل نور، ولهم ببوار قوم بور.

ودبت شعلها في أضلاع الدبابة وجنوبها، فأحرقها الله إحراق أهلها بذنوبها، وكما أضاءت الآفاق بنيرانها؛ أظلمت بدخانها. فجلت لنا بياض النصر في السواد، فكأنه سواد الناظر أو سويداء الفؤاد، بل سواد المداد يأتي من أنواره بالإمداد. فجلا حريق هذه الدبابة صدأ قلوبنا المغتمة بالبطسة الغريقة، وأحمت نارها في حماية الحق حمية حماة الحقيقة. فإنما احترقت الدبابة يوم وصول خبر غرق

البطسة، فكان تشميتا لتلك العطسة.

ذكر وقعات في هذا الشهر

كانت العلامة بيننا وبين أصحابنا في عكاء عند زحف العدو دق الكوس حتى إذا سمعناه جدنا في الزحف إلى العدو بالنفائس. ولما أصبحنا يوم السبت التاسع عشر من الشهر سمعنا من كوس البلد نعراته، ونظرنا من جانب العدو مثار غبراته. فعلمنا بزحفه، وعملنا في حتفه، وضرب الكوس السلطاني اصراخا لصراخ الكوس، فتمايلت أعطاف ذوى الحمية من حميا العزائم لا من حميا الكؤوس.

وركب السلطان في كل مشمر للبرد مضمر للجرد، نضفاض السرد، قضقاض كالأسد الورد، مشتاق إلى الطرد، ملتاح من ماء الوريد إلى الورد، من الترك والاكاديش والعرب والكرد. يهوى إلى الأقران هوى المصلتات إلى الرقاب، ويظمأ إلى ارواء الأسل الظماء فيطيل صدى الخيل العراب. وكل ثمل كأنه نزيف الحميا، يعيد السماء من الأرض بركضه شاحبة المحيا. وكل ضرب تكاد تفيض مضارب نصله من خفة الطرب أولا وقاره، وكل طلاع مع النوب لا ينام ثاره، ولا يثبت في الجفن غراره. وكل منصلت ينير في ظلام العجاج بنجوم الأسنة، وكل مطرد يعيم السوابح السوابق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015