بنهضاته.
فما راعه ما عرا، وما درأ عزمه لما درى. ولا رد وجهه عما قصد. ولا صدف رأيه عما عليه أعتمد، بل ازداد قوة بصيرة، وازدان بسريرة لكشف أسرار الغيب مستنيرة، وعمد إلى السماء فاستعار من أنجمها أسنة الذبل ودلف في الأرض
فوهب تربها ببقسطل. واعلم ملك الانكتير أن جمع كفره للتبتير، وأن نشاط سره للتفتير، وأن أسنة أهل التوحيد مولعة من نحور أهل الإشراك بهتك الستير.
وركب في مراكب حلت المنايا الحبا في كتائبها، لتحتبي أعناق العدا وطلاها وتتصل بقواطعها وقواضبها. بخيل تأبى الضيم مثل إبائه، وفخر مثار النقع ينوب عن لوائه، ووجه كلمع البرق في ضيائه، وقلب كصدر العضب في مضائه.
وأقام السلطان على هذه الحالة، ساميا في مطالع الجلالة، لم ينض سلاحه، ولم يخفض جناحه، ولم يركز رماحه، ولم يردع للروع مراحه.
كان السلطان قد عمر في بيروت بطسة، وزادها من العدد والآلات بسطة. وأودعها من كل نوع ميرة، وملأها غلة وذخيرة. واركب فيها زهاء سبعمائة رجل مقاتلة لعكا، من كل من طهر وتزكى، وشكره الإسلام إذ الكفر منه تشكى. فلما توسطت اللجة؛ وتورطت على نهج المحجة؛ صادفها ملك الانكتير بحكم قضاء الله والتقدير. وأحدقت بها شوانيه، وعدتها عواديه. وقاتلتها نصف نهار، وهي لا نذعن لاقتسار. فأكبت من العدو مراكب، وجبت لها غوارب. وأحرقت وأغرقت، وهتكت وخرقت، وفرقت وما فرقت. وقتل من الفرنج خلق عليها، وما امتدت يد عدوانهم إليها.
فلما يئست من سلامتها، وزلت عن استقامتها؛ وانحلت عرا وثاقها؛ وانحطت ذرا اعتلائها واعتلاقها؛ ومالت إلى الاستسلام، وجالت على الاصطلام، قال مقدمها: علام نسلمها والموت بالعز خير لنا من الحياة بالذل، والشح بالدين أحب إلينا من البذل، فنزل إلى البطسة فخرقها، ومانع عنها حتى أغرقها. وسعد اهلها، وافترقت وسيجتمع في دار النعيم شملها.
ووصل إلينا خبرها اليوم السادس عشر من جمادى الأولى فقلنا: الدهر يومان
نعمى وبؤسى، وما يزالان على ذلك حتى يزولا وكانت هذه الوقعة أولى حادثة للوهن محدثة، وللهم مورثة، ولنار الأسى مؤرثة.
وكان الفرنج قد اتخذوا دبابة عظيمة هائلة، قد أظهرت لها في الشر غائلة. ولها أربع طباق، شدها على الارتباط باق. ولها من الأحكام باس ولباس، وهي خشب