كان في الكنيسة، من الأعلاق النفيسة. وقسوا على قسيسهم وعادوا بها وبهم إلى براكيسهم.
ولاذوا باللاذقية وباعوا بهل كل ما أخذوه من لبيعة. ومن الجملة سبع وعشرون نسوة سبايا، وصبيان وصبايا. فباعوها رخصا، واقتسموها خرصا، وزادوا بما نالوه حرصا. واستغنوا بما استغنموه. وأثروا بما أثاروه وأثروه. وفرحوا بما راحوا به من مغنم، وقيل حصل لكل واحد منهم على كثرتهم أربعمائة درهم.
وفي سادس شهر ربيع الآخر هجم جماعة من العسكرية السرية فاقتطعوا قطعيا من غنم الفرنج غنيمة، وخالطوهم في خيامهم وأمطروهم من وبل النيل ديمة. وركبوا بأسرهم، بخيلهم ورجلهم في إثرهم، فلم يظفر بطائل، ولم يرجعوا بحاصل.
وصل الخبر أن ملك الأنكتير وصل إلى جزيرة قبرص في السادس والعشرين من
شهر ربيع الآخر في الجمع الوافر، حاملا جمعا كالسيل الجارف في البحر الزاخر. وتقدمته إلى الجزيرة، مراكب وشواني على قصد الجريرة. فخرج صاحب قبرس اليها، واستولى عليها، وغنم أموالها، وصدم رجالها. فلما وصل أرهف حد عزمه، وأقضى فيض غيظه إلى غيض حلمه، وهو مغتضب غير مغض، مريض من ألم الحقد ماله سوى التشفي شاف مرض. فلبث مفكرا، ومكث متحيرا، وتروى متخيرا فرأى أن قبرس في يده، فاستن من جده في جدده. وناشب القتال، وواظب النزال، وقارع بالنصال النصال. وحلت المنايا حباها لاحتباء البيض بالأعناق، واعتناق الغلاظ مع الرقاق.
ونفذ يطلب من الفرنج على عكاء نجدة، ليجد شدة ويوجد شدة. فنفذوا له جفري أخا الملك العتيق، في جموع مترافقة الرفيق. وامتدت الحروب، واشتدت الكروب. ورأى أن فريضته تعول، وأن حالته تحول، وأن شغله يطول. واتفق أيضا إنه كان رام الروم من الفرنج الفرج، وخطب كل واحد من ضيق الخطب المحرج المخرج. فتراسلوا في الصلح، وخرجوا من ليل الحرب المظلم في سني السلم إلى أسفار الصبح.
واجتمع صاحب الجزيرة بملك الأنكتير، واثقا بما تم من التقريب والتقرير. وحمل له هدايا، وتحفا سنايا. ووسع له الازواد، وبذل الإمداد. فأخذه في مأمنه، وابرز له مكره من مكمنه، وغله ثم غله وشده وما حله، وجازاه لما أعزه بأن أذله، وغادره بغدره في القد والقيد، وما بطشت يد عادمة إلا يد كيد الكيد.
واستولى بالاستيلاء عليه على تلك الجزيرة، وغرق في جمات أمواله الغزيرة. وسيأتي ذكر وروده وما تم به لأحزاب الشيطان وجنوده.
وبتاريخ انسلاخ شهر ربيع الآخر يوم الأحد، وصلت من ثغر بيروت كتب مبشرة