النبل من الأحداق والنواظر في نواضر حدائق الربيع. ومن صنعته أسماء حنين بسهمه، وأسماع أنين المنية لخصمه. وجلونا في ذلك اليوم فوارس لا عرائس، وقوانس لا عوانس.
وفي ثاني عشر ربيع الأول وصل ملك افرنسيس إلى القوم وصان حبلهم وشملهم من البت والشت، وكان وصوله في بطس ست، حملت من الفرنج كل ذي شؤم ومقت. وقد كانوا يهددون بوصوله وصوله ويقولون لنا من تهديده ووعيده ما يجري على قوله. وأنه إذا جاء؛ حكم وأحكم، ونقض وابرم، وقدم ما قدم به من المال وأقدم. ونحن منه على مواعدة، فهو يأتينا بكل نجدة مياعدة، وجدة عن الفقر مباعدة. فقلنا لهم: رب صلف تحت راعدة، وما هذه الأراجيف منكم بواحدة. فلما وصل في العدد القليل، والنظر الكليل، أعجبتنا قلته، وتشابهت عندنا عزته وذلته. وقلنا: ما يكاد تصل صولته، أو تدوم دولته.
وكان مع هذا الملك باز أشهب، كأنه عند إرساله نار تتلهب. ففارقه يوم وصوله، بحيث عجز عن حصوله. وأفلت من يده وطار، وحشا حشاه الباز الذي نار النار. ووقع على سور عكا، وحزن الملك يوم سروره بفراقه وأبكى. واستجابه فما استجاب، وأبى وما آب، وثبت وما ثاب.
فبصر به أصحابنا فأخذوه، والى السلطان أنفذوه. فأبدى للسرور به الاهتزاز
وجمل بتشريفه بزة من بز الباز، وأظهر به احتفالا، وعده للظفر والمنحة فالا. وبذل فيه الملك ألف دينار فما أجيب، ولا وهب له ولا هيب، وما بيع ولا عيب.
كان المستأمنون من الفرنج الينا، تسلموا براكيس يغزون فيها ويجرون بجواريها، وينهضون بسواريها ورواسيها، وينهشون بعقاربها وأفاعيها. ووصلوا إلى ناحية من جزيرة قبرس يوم عيدهم، وقد جمع القس في كنيسة لأهلها شمل قريبهم وبعيدهم. فصلوا معهم فيها صلاتهم، ثم أغلقوا أبواب الكنيسة عليهم ليأمنوا إفلاتهم. وأسروهم بأسرهم وسبوهم، وبغتوهم من البلاء بما أتوهم وبلوهم. وكنسوا كل ما