ودخلت سنة سبع وثمانين، والشتاء لم يشمله شتات شمله، وعقد البرد لم يقرب محل حله. وللغيث عيث، ولزور الربيع ريث. وللسحب سح، وللضح شح. ولعين الشمس غض، ولوجه الغيم ومض، ولأيدي العارض بسط وقبض، ولنواظر البرق تنبه وغنض، ولنواجز البرد كشر وعض، ولفص الفصل ختم وفض. وكل صاد في بحر كانون كنون، وكل ماء بالجليد كأنه زرد مسنون. والأوحال أحوال، وللأهواء أهوال. وللشمال شمول، وما للقبول قبول. وللجنوب ذنوب، وللدبور في أدبارها وإقبالها هبوب. وللصبا صبابات وصبُابات، وللندى الندى جنايات وسرايات، وللجو الجوى آيات ونكايات. وللغمائم غماغم؛ ولهام الربا من هامي الرباب عمائم. وللنكباء نكبات، ولشبا شباط شبات. والرواعد رواعف، والهواتن هواتف. وللألواح رواح وغدو، وحركة وهدو. ومحبة وسلو، ونزول وعلو، ونصفة وعتو. وللرعايا العرايا من الرياح الحيارى رذايا اذايا، وخبايا المروج النابتة في زوايا الثلوج النازلة خفايا. والعواصف القواصف عواص غير قواص، والعارض عارض للحب في العراص عراص، والقوارس قوارص، والخوالس خوالص. والبحر في هيجانه، والغيم غي هطلانه.
والسلطان مقيم بمخيمه على شفرعم، ولطف الله به قد خص وعم. والملك العادل سيف الدين نازل على الساحل عند نهر حيفا، لتجهيز البدل في المراكب إلى عكا. والسفن تدخل إليها بازواد، وتعود وترجع إليها بالأجند. ويحرص ويحرض، ويرسل إلى السلطان ويستنهض، والسلطان يفاوض النواب في ذلك واليهم يفوض. وفي كل يوم يعرض الرجال، وينفق فيهم الأموال.
والأمر مستمر، والقرار مستقر. واليزكية زكية، وسنتهم في المناوبة سنية، ولوافح عزماتهم ذاكية ونوافح مكرماتهم ذكية. والمماليك الخواص، ومن خصهم وعمهم الاستخلاص؛ يغادون القتال ويراوحونه، ويكافئون العدو ويكافحونه، ويجاورونه ويجارحونه، ويبرحون به لا يبارحونه.
والعدو على عكاء حاشد، ولضالة ضلاله ناشد. يحتمون ويحمون، ويرامون ويرمون، ويذبون ويشبون، ويخبون إلى الكفرة بسوط العذاب ويصبون. وقد قسموا الأسوار على الأجناد والأبراج على الأمراء، واستقبلوا النعمة في البلاء، والسعادة في المشقة التي تعدها الأشقياء من الشقاء، إن وجدوا غرة اهتبلوها، أو استوعروا كرة استسهلوها، أو صادفوا ملمة صدفوها، أو لقوا غمة كشفوها، أو صرفوا أوجههم إلى نائبة صرفوها.