ذكر ما تجدد من الحوادث وتكرر للعزائم من البواعث

في يوم الأربعاء تاسع المحرم، سار الملك الظاهر لقصد بلد صافيثا؛ بالعزم المصمم، والرأي المحكم. وفي ثالث صفر؛ عزم من بقي من أصحاب الأطراف السفر. فإن السلطان رخص لهم في ذلك، فانتهجوا في عودهم إلى بلادهم المسالك.

وأقام السلطان في أصحابه. وخواصه وملازمي بابه، وملابسي جنابه، ورجال رجائه، وخلص اوليائه، ومقربي أمرائه. وفي هذا اليوم رحل الملك المظفر تقي الدين ليتسلم ما في شرقي الفرات من البلاد التي كانت مع مظفر الدين، مضافة إلى ميافارقين. فصارت معه جبلة واللاذقية والمعرة وحماه وسلمية والرها وحران وسمياط والموزر وميافارقين. وشرط معه أن يحافظ على عهد صاحبي آمد

وماردين.

والبلاد المظفرية كانت قد بقيت إلى هذه الغاية. مع كثرة الطالبين لتلك الولاية. مضنونا بها على الخطاب، غير مسموح بشيء منها للطلاب. فإنه ما رامها من الملوك، أخي السلطان وأولاده، إلا من بشرط الفسحة له في استضافة ديار بكر إلى بلاده. ويقال له: لا سبيل إلى قصد أحد، ولا انتزاع بلد، ولا إزالة يد. فإن أرباب البلاد أكثرهم لنا معاهد، وعلى ودنا معاقد، وفي شغلنا مساعد. فأما من هو عنا متقاعد؛ ومنا متباعد؛ فما هذا أوان مطافأته، ولا زمان كف آفاته، وهو منا في حصر مخافانه. وهذا العدو الكافر شغلنا به مستغرق، وعزمنا في قمعه متحقق. فلا نثير علينا من المسلم الكاشح؛ والحاسد الحاشد؛ من يشغلنا عن هذا المهم الفرض، والرأي الراشد.

فقال تقي الدين: أنا لي في ذلك الجانب ميافارقين، فإذا أخذت حران وسمسياط والرها؛ ادركت من تكثير العساكر وتقويتها المشتهي، وبلغت المنتهى. وأنا أدخل على الشرط وعنه ولا أخرج، وأجمع العساكر وإلى نصركم أعرج. وآتيكم بعد أشهر بأوفى عسكر، وأكرم معشر، من لابسي سنور، وملابسي مورد في الروع ومصدر.

وما زال يسعف السلطان عمه، ويسترهف في تخصيصه الولاية عزمه؛ ويسأل ويتوسل، ويرسل ويتوصل؛ حتى أخذ دستوره، وأستكتب منشوره. وسار على إنه يسرع إيابه، وبحكم في العود أسبابه. وإنما يلبث ريثما يقسم تلك البلاد على مقطعيها، ويرسم ترتيب نوابه فيها. ثم يطلع علينا طلوع السحاب، ويأتي بالآتي العباب، ويعرض عساكر لا تدخل في الحساب. وسارع إلى الرحيل وسار، بعد ما استشار، والله استخار.

وفي يوم السبت رابع صفر؛ وصل كتاب الملك المجاهد؛ الجواد الماجد؛ أسد الدين

شيركوه بن محمد بن شيركوه؛ وهو الجري الذي إذا جارى أضرابه من الملوك في حلبة المجد لم يدركوه، ولم يشركوه.

ومضمون الكتاب: إنه خرج في آخر محرم، على جشير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015