والأسلحة والكماة المساعير والحماة المحارب. فلما سكن البحر، وأمن غائلته الكفر، عادت مراكب الفرنج إلى مراسيها، ودبت عقاربها وأفاعيها، وشدت مراكبنا في موانيها. وانقطع عنا خبر البلد، وامتنع عليه دخول المدد والعدد. فانتدب العوام للسباحة، وحملتهم السماحة لهم بالرغائب على وضع المهج في ميزان السماحة.
وعلموا أنهم إذا سبحوا ربحوا، وإذا سلموا فراحوا فرحوا. حتى صاروا يحملون نفقات الأجناد على أوساطهم، ويخاطرون بأنفسهم مع احتياطهم. ويحملون كتبا وطيورا ويعودون بكتب وطيور، ونكتب إليهم ويكتبون إلينا على أجنحة الحمام بالترجمة المصطلح عليها سر الأمور، ويودع المكتوب والمكتوم ما نطلعهم عليه من الخفي المستور.
وكان في العسكر من اتخذ حماما تطوف على خيمته وتنزل في منزلته. وعمل لها برجا من خشب، وهرادى من قصب. ويدرجها على الطيران من البعد، ويوردها لشعبها وريها أحب الحب وأعذب الورد. وكنا نقول: ما هذا الولع بما لا ينفع،
والوله بما لا ينجع. حتى جاءت نوبة عكاء فنفعت، وشفت الغلل ونقعت. وأتت بالكتب شارحة سارحة، ووفت بمفاتيح الغيب بالبشرى مفاتحه.
فصرنا نحبو صاحب الطيور بالإطراء، ونخصه بالمدح والثناء. ونأمره بالاستكثار، ونطلبها منه مع الليل والنهار. حتى قل وجودها عنده لكثرة الإرسال، وكنا تعرف بها جلية الأحوال. ونعلم أن الله علمه ذلك البر، وألهمه ذلك السر. فإنه اطلع على ما يدفع إليه أهل الإسلام، فحمى حمى هداهم بهداية الحمام. فإنها أمينة على الأسرار، ضمينة بالأخبار، ضنينة بالأسفار. قمينة بكرامة الأحرار، مصونة من بين الأطيار، جريئة على الأخطار، بريئة من الأعذار، معدودة من الأذخار، مودودة مع الأخيار.
وحمام البلد إلينا مع العوام محمولة، وعقود الأكياس عليهم محلولة. فلا ينكر على المحتاج أن عام بالأنعام. ومعولة التحرز من الضلال، والتخفي بستر الظلام. والضرورة تحمل على تحمل الضرر، والغرارة تبعث على الانبعاث إلى الغرر، والفقر يدعو إلى ركوب الخطر. وفيهم من سلم مرارا من القوم، فاجترأت نفسه وأنس بالعوم. ولقد عطب عوامون، بالأمانة قوامون، فما ارتدع الباقون، وما قالوا أنهم لما لقي رفقاؤهم لاقون.
ولما انحسر الشتاء وانكسر، وانتشى الربيع وانتشر، أمر السلطان عساكره بالعود، فتوافت إمداد اجوادهم توافي إمداد الجود.
فكان أول من وصل الملك المجاهد (أسد