تجاسروا على الدنو من تلك الشعاب. وحملوا حملة واحدة ردوا بها أصحابنا إلى النهر، وكادت تعبث بهم يد القهر، فثبت من العادلية
في وجوه القوم صف مرصوص البنيان، واشرعوا نحور تلك الذئاب ثعالب الخرصان.
واستشهد جماعة من الشجعان، استحلوا طعام الطعان، وشاقهم جنى الجنان. وذلك أنهم ردوا الفرنج قلعوا فرسانا، وصرعوا أقرانا. فنزلوا بعد فرسهم، لسلب لبسهم. فمرت بهم الحملة في الأوبة، وأعجلتهم عن الركبة والوثبة. واظلم الليل فافترق من معاركها الجمعان، واجتمع في مراكزها الفريقان. وكثر التأسف على من فقد، وكان الحاجب (أيدغمش المجدي) ممن استشهد. وزاد التلهف على فوات الفرصة، وكيف أغفل ذلك القنص عن تلك القنصة، فإن العدو صار عرضة للصرعة في تلك العرصة.
ومن نوادر هذه الوقعة؛ وطرائف هذه الدفعة؛ أن مملوكا للسلطان يقال له (سراسنقر)؛ وهو يتطاول في كل معترك ولا يقصر؛ عثر به جواده، وثبت على الجرأة فؤاده، ورجله عثاره، وأسلمه أنصاره. فقبض من أسره شعره ليجذ به، وسل آخر سيفه ليضربه، فضرب يد قابض شعره فسيبه. واشتد سراسنقر يعدو ناجيا، وللخلاص راجيا. وهم يعدون وراءه ليمسكوه ويهلكوه، وفاتهم بعون الله فلم يدركوه. وهذا قذفته المنون من لهاتها بعد ازداده، وانتضاه الحمام لمضاء غراره بعد إغماده.
وفي يوم الأحد خامس عشر ربيع الأول تسلم بالأمان شقيف ارنون، واستمر الحصار عليه منذ نزولنا في السنة الماضية بمرج عيون. وصاحبه ارناط - صاحب صيداء - في دمشق لأجله معتقل، وباب خلاصة دون فتح (شقيفة) مقفل. وذلك أن الشقي في الشقيف فني زاده، وعز اجتهاده، ومرد عليه في الحفظ مراده، وخانه في الصبر ارتياؤه وارتياده، ونخب من الرعب فؤاده، وأصلد
باليأس زناده، وامتنع عليه إصداره وإيراده. فيلمه على أن يسلم صاحبه، وتخلص في النجاة مذاهبه، وخرج هو ومن معه وترك الشقيف بما فيه، وتركه للإسلام بما يحويه، وأفرج عن صاحب صيداء وصار إلى صور، ولبس من التشريف والتسريح حبير الحبور.
كان السلطان اغتنم هيجان البحر، وحضور مراكب الأسطول من مصر. فما زال يقوى عكاء بتسيير الغلات والأقوات والقوات إليها في المراكب، وقد ملأها بالذخائر