ودخلت سنة ست وثمانين والسلطان مقيم بعسكره بمنزلة الخروبة. وكل من الملك العادل والملك الأفضل والملك المظفر في خيمته المضروبة. وعكاء محصورة، وجموع الفرنج إلى حصارها محشورة، وعلى تعذرها عليهم محسورة.
وخرجت هذه السنة والحصر مستمر، والسلطان في ملازمة القتال مستقر، وحيا النصر في الأحيان مستدر. وقد تسنت للإسلام مباهج، ووضحت للسعادة مناهج، وبانت للقتال مداخل ومخارج، وانقطعت بين الوشيج وأرحام الأرواح وشائج، واشتدت لتباريح الأشواق إلى لقاء الأعداء لواعج، وتألفت في الإقدام مقدمات ونتائج، ولمناجح المنى منا في مدى الرجاء مدارج، ولخطباء الظبا في منابر الطلى معارج، وللجهاد جهات؛ وللعزمات ازمات، واتفقت حسنات، وحسنت اتفاقات. وكانت لنا مسرات هي لأعدائنا مساءات.
ووقعت عجائب، وأعجبت وقائع، وأبدعت غرائب، وأغربت بدائع. واجتمعت كتائب، ونابت نوائب، وصفت تارة وكدرت مشارب. وساعدت الأقدار، وتباعدت الأكدار. وهلك من الفرنج المحاصرين في الوقائع عدد لا يقع عليه الحصر، ولكم أسفر صبح اصحب فيه جماح الظفر وسفر النصر.
وسيرد حديث كل حادث بمفرده، ويجدد ذكر كل كتجدد بمجرده.
كان السلطان يركب أحيانا للصيد، بعد أن يحذر على ما يظهر للعدو من الكيد. وهو لا يبعد من الخيم، ولا يقرب من مسائل الديم.
وركب يوما في صفر عاى عادته فتصيد، وطاب له قرب القنص فأبعد. واليزكية على الرمل وساحل البحر من الميسرة، على الحالة المحتاطة المستظهرة. فخرج الفرنج وقت العصر، في عدد لا يدخل في الحصر. وتسامع أصحابنا بهم فزحفوا اليهم، وحملوا عليهم، وطردوهم إلى خيامهم، وأخذوا عليهم من خلفهم وأمامهم. وما زالت بينهم حملة وحملة، وشلة وشلة، وسلة وسلة، وركضة وركضة، ونفضة ونفضة، ومشقة ومشقة، ورشقة ورشقة، وجذبة وجذبة، وضربة وضربة، وشدة وشدة، وردة وردة، وضمة وضمة، ولمة ولمة.
وأصحابنا طاهرون، والمراد ظافرون. ولهم في كل دفعة من العدو قلائع، والفرنج في كل كرة على الرمل مصارع. حتى فني النشاب وبقي الانتشاب، وشاع نداء الأصحاب باستدعاء النشاب. والفرنج لا يعجزهم إلا الرماء، ولا يهلكهم إلا الاصماء. ولا ينفرهم إلا رنة الأوتار، ولا ينذرهم إلا أنه القسي بالدمار والبوار.
فلما انسوا بخلو الجعاب،