على قصد صيداء للحصر، وقد جسروا على عبور الجسر. فركب السلطان في الحال فيمن خف من ثقال الرجال، وأقتال القتال، واطلاب الأبطال.

وانجاد الأجناد، وأجلاد الجلاد، والباذلين المهج للجهد في الجهاد. ووصل إلى الملتقى والشغل قد فرغ، والسيل قد بلغ. والصدمة قد وقعت والوقعة قد صدمت، والثورة قد ثأرت، والسورة قد أسأرت. فإن اليزكية لما شاهدت جاهدت، وتعاقدت على لقائهم وتعاضدت. وخالطتهم وباسطتهم، وواقحتهم وواقعتهم، وجالدتهم

وجاولتهم، وحاردتهم وحاولتهم. وردتهم مفلولين مخذولين، وصدتهم مهزومين مثلومين. وقسرتهم وكسرتهم. وأسرت سراتهم، وبزت بزاتهم، وقنصت عقبانهم، وقصمت شجعانهم. وصادت صيدهم، وفرست فرسانهم. ووقع في الأسر من سباعهم سبعة، وغودرت للنسور من أشلاء المارقين بالمأزق شبعة.

واستشهد من المماليك الخواص (أيبك الأخرش) وقد كان شهما بالوقائع يتحرش، وثبتا بالروائع لا يتشوش، وأيسا بالحوادث لا يتوحش، وكميا كميشا بالكوارث لا يتكمش. وانفصلت الحرب قبل وصول السلطان وكانت الدائرة على أهل الشرك والطغيان.

وعاد السلطان إلا خيم ضربت له بقرب اليزك، وقال لعلهم يعودون إلى ذلك المعترك، فنستدرك ما فرط من استئصالهم واجتثاثهم، وقد ندم الفرنج على ما ندر من اجترائهم وانبعثائهم. وأقام إلى يوم الأربعاء تاسع عشر الشهر، والإسلام بقوة ظهوره على الكفر قوى الظهر، وركب في ذلك اليوم، ليطلع من الجبل على القدم. ولم يكن له نية القتال، فلم يستصحب معه من يستظهر به من الرجال. وتبعه راجل كثير من غزاة البلاد بغير علمه، وظنوا أن السلطان إنما ركب للقتال وعلى عزمه. وكان الفرنج قد بصروا بالراجل فطمعوا فيه، ثم ظنوا أن وراءه عسكرا في الكمين يحميه. وأنفذ السلطان بعض الأمراء إلى الغزاة الرجالة ليعودوا فما قبلوا، وحمل عليهم العدو فأسروا وقتلوا. وختمت بشهادة أولئك السعداء تلك العشية، ونفذت من الله في استشهادهم المشية. وحمل الحاضرون من الأمراء والعسكرية على الفرنج حملة أردتهم وردتهم. وصدفتهم عن الجرأة وصدتهم. وتزاحموا على الجسر فغرق منهم زهاء ثمانين في النهر. وكان يوم علينا ولنا، جنى المنا وأجنى أملنا. وللحرب رجال والحرب سجال. ولم يكن لأولئك الغرباء بقتال الفرنج دربة، وإقدامهم على العدو لله قربة. فخاضوا من الدم في اللجج،

واعتاضوا الجنة من المهج.

وممن لقي بالشهادة؛ وختم له بالسعادة؛ (الأمير غازي بن سعد الدولة مسعود بن البصارو) كان شابا لنار الحرب شابا، ولدين الرب رابا. ولما شاهد ما تم من الغزاة؛ انقض في أصحابه على الفرنج انقضاض البزاة. فدعته حنته، وإلى طعنة لبتها لبته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015