يوم الأحد ثامن عشري جمادى الآخرة وهو آخر مدته، وأول شدته، وأوان انقضاء عدة عدته.

وقد رتب على الشقيف يزكا بمنع الخروج والدخول، والصعود والنزول، ويضايق غريمة المطول، قبل أن يمتد حصاره ويطول.

وحمله جماعة من الأمراء ووقفوا به إزاء حصنه، فناداهم في دراك أمره، وفكاك رهنه. فخرج إليه قس قاس، بأسرعن باس، فحادثه في حادثه بلغته، ونافثه في كارثه بغلته، وتحاورا في السر، وتشاورا في الشر. وكأنما أمره بالتجلد، وصبره على التشدد.

وعاد القس الشقي إلى الشقيف، وترك صاحبه عانيا بالعناء العنيف، فقيد وحمل إلى قلعة بانياس، وبطل الرجاء فيه وبان اليأس.

ثم استحضره في سادس رجب وهدده وتوعده وبالغ في تخويفه، على أن يبلغ المراد في شقيفه. فلما لم يفد خطابه، ولم يجد عذابه، سيره إلى دمشق وسجنه، وألزمه شجاه وشجنه.

وتحول السلطان من مخيمه إلى أعلى الجبل يوم الأربعاء ثامن رجب لمحاصرة الحصن، ورتب لها عدة من الأمراء، وأمرهم بملازمته في الصيف والشتاء، إلى تسلمه بعد سنة بحكم السلم، وأطلق صاحبه، وأجرى عليه حكم الحلم.

ذكر ما تجدد للسلطان مدة المقام بمرج عيون من الأحوال وما كان من غزواته ونهضاته ووقعاته في حرب الفرنج والقتال

اجتمع من كان سلم من الفرنج ونجا على ملكهم الذي خلص من الأسر، وقالوا: نحن في جمع جم خارج عن الحصر، وقد تواصلت إلينا إمداد البحر، فثربنا للثار، وأعرنا من هذا العار.

وجاء من كان بطرابلس وخيموا على صور، وفارقوا بالاستطالة القصور. وجرت بين المركيس المقيم بها وبين الملك مراسلات، وحالت بين اتفاقهما حالات. فلم يمكنه من دخول البلد، ولج معه في اللدد. واحتج بأنه من قبل الملوك الذين من وراء البحر، وأنه منتظر لما يبرمونه من الأمر، ويصله من الأمر. ثم اتفقوا على أن يقيم بصور المركيس، ويدوم منه لمللكهم التأسيس؛ ولملكهم التأنيس. وأنهم يجتمعون على حرب المسلمين وقتالهم، ويتسارعون على رم ما تشعث من أحوالهم، ويتعاقدون على حل إشكالهم، ويتعاضدون في تسديد اختلالهم. ويقصدون بلدا إسلاميا من الساحل، ويقيمون عليه بالنوازل إقامة المنازل. والمركيس بمدهم من صور بالمدد بهد المدد، وبجميع ما يحتاجون إليه من الميرة والأسلحة والعدد. فأجمعوا على هذا الرأي، وبلغوا في الغي إلى هذه الغاي. وشرعوا فيما شرعوه، وفرعوا ذروة الأصل الذي فرعوه.

ووصل الخبر يوم الاثنين سابع عشر جمادى الأولى من اليزك، أن جمع الفرنج قد نهض كالليل المعتكر، وأنهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015