وأقام السلطان شهر صفر في دمشق وقد أطاب لماشق الآمال من نشره النشق، ثم خرج منها في ثالث شهر ربيع الأول يوم الجمعة بالمحبة المجتمعة، والمهابة الممتنعة، متوجها إلى شقيف ارنون ليقر بفتحه العيون، ويصدق في استخلاصه الظنون.
وأتى مرج برغوث، وأقام به إلى يوم السبت حادي عشر الشهر ينتظر من عساكره البعوث، ثم رحل على سمت بانياس وقد أوقع رعبه بين أهل الكفر الياس، وأتى مرج عيون وخيم منه بقرب الشقيف، وجمع على من به آلات الحصار أسباب التخويف. وذلك يوم الجمعة سابع عشر ربيع الأول في أواسط فصل الربيع.
وأقام في ذلك المرج الوسيع، والروض الوشيع. وأسمنا الخيل في أعشاب واصية، ورتعنا في ألطاف من الله دانية غير قاصية. وكان الشقيف في يد صاحب صيداء - ارناط، وقد أكمل في حفظه الاحتياط. فنزل إلى خدمة السلطان لحكمه طائعا، ولأمره سامعا، ولرضاه تابعا، وفي موضعه شافعا، وعلى حصنه خاشيا، ولأجله خاشعا.
وسأل أن يمهل ثلاثة أشهر يتمكن فيها من نقل من بصور من أهله، وأظهر أنه محترز من علم المركيس بحاله فلا يسلم من جهله، وحينئذ يسلم الموضع بما فيه، ويدخل في طاعة السلطان ومراضيه، ويخدمه على إقطاع يغنيه، وعن حب أهل دينه يسليه. فأكرمه وقربه، وقضى أربه، وأجابه إلى ما سأله، وقبل منه عزيزا ما بذله بذله، وأمهى غرب غربه وأمهله، واخذله وما خذله، وخلع عليه وشرفه ورفعه في ناديه بنداه وعرفه، واقتنع بقوله ولم يأخذ رهينة، ووجد إليه سكونا
وعنده سكينة.
فشرع ارناط في اذالة حصنه، وإزالة وهنه، وترميم مستهدمه، وتتميم مستحكمه، وتوفير غلاله، وتوفية رجاله، وتدبير احواله، وتكثير أمواله، ونحن في غرة من تحفظه، وفي سنة من تيقظه، وفي غفلة من حزمه، وفي غفوة من عزمه.
وكان يبتاع من سوق عسكرنا الميرة، ويكثر فيه الذخيرة. وقد صدقنا كذبه، وحققنا أربه. وأنهى إلى السلطان ما هو مشتغل به من عمارة يجدها، وذخيرة يعدها، وثلمة يسدها، وقوة يشدها، وميرة يستمدها. وكان بالمذكور سديد الظن. شديد الضن. لا يقبل ما فيه يقال، ولا يظن به عثورا يقال.
فلما كثر فيه القول، وتمكن من مسألته العول لم يرد أن يبدى له ما قيل، ولم يصدئ بالتغير عليه وجه جاهه الصقيل. فأمر بالانتقال من المرج إلى سطح الجبل، وتحويل الخيم إليه والثقل. وذلك ليلة الجمعة ثاني عشر جمادى الآخرة. وأظهر أن المرج وخيم، والمقيم به سقيم، وأم الدهر فيه