وانتقل السلطان يوم السبت إلى مخيمه، والإقبال جائم في مجثمه. وسرى ولده الملك الظاهر إلى علقة سرمانية، وارهق فيها الفجرة الجانية، واستطلق منها العانية، وقطف مجانيها الدانية، وأخلى مغانيها الغانية. وما قطع قرارها حتى قرر عليها قطيعة، وكلفها ما كانت له من المال مستطيعة، ولم تزل عاصية فصارت كرها مطيعة. ثم خربها حتى خر بها عاليها، وعطل حاليها، وانجلى ثاويها، وانتأى جاليها. وبقيت دمنة دائرة، ودمية عاثرة. ورسما عافيا، ورقما خافيا، وربعا باليا، وصقعا خاليا. وعادت دارا دارسة، مستوحشة بعد أن كانت آنسة، وكان فتحها في يوم الجمعة الثالث والعشرين، فأخلى الله من السباع الضواري ذلك العرين.
ومن نوادر ألطاف الله تيسير هذه الفتوحات الخمسة المتتالية، في أيام الجمع الخمس المتوالية. باء فيها لنصر أهل الجمعة بذل أهل السبت أهل الأحد. وأصبح التوحيد على التأنيث قاهر الأيد، ظاهر اليد.
وسرنا إلى قلعة برزيه وسرنا سار، ودر الظفر لنا دار. وهي أحصن القلاع وأفرعها، وأحسن التلاع وأرفعها، وأسمق الرواسي وأسماها، وأسنم الرواسخ وأسناها. وكان السلطان سبق إليها وأشرف عليها. ثم استدعى الثقل واستحضر، وجمع بالفضاء تحتها العسكر. وذلك رابع عشري الشهر يوم السبت، وقد تهيأت في العدو أسباب الكبوة والكبت.
ثم تجرد يوم الأحد في العدد والعدد. ورقى إلى الجبل، مع أبطاله النبل. فرأيناها
قلعة شماء في الذرا، لا تكاد من سموها ترى. وهي على سن من الجبل عال مترامية في السماء ارتفاعا، وقيل قدر علو ثلثه فكان خمسمائة ونيفا وسبعين ذراعا. فأحدقنا بها وبالجبل، وقطعنا عنها متصلات السبل. ونصبنا عليها المجانيق في ذلك السفح، فلم تصافحها صفائحها وأبدت لنا صفحة الصفح. فقد بعد مرام مرماها، وحارت الأوهام فيها وقلنا ما أعلاها وما اسماها. وتحاجزت عنها الحجارة فلها من أجازتها بها الإجارة. فما بلغت إلى القلعة قلائعها، ولا طلعت إلى التلعة طلائعها، هذا والنجم يلامع بلامعها، وتقارن طوالعه طوالعها. فكأن الصخور سلم نحورها، فإن سورتها تنكسر تنكسر دون الوصول إلى سورها.
ولما رأى السلطان أنه لا وصول إلى نيقها بالمنجنيق؛ وأن الاشتغال به يطيل زمان التعويق؛ مال إلى الزحف، ولاحف جموعه في ذلك اللحف. وذلك في السابع والعشرين من الشهر يوم الثلاثاء، فقسم الناس ثلاثة أقسام على السواء، وجعل النوبة