بأسنا المشكور.

وحول خيمة خفيفة إلى الجبل لحصار قلعة الشغر، وهي قلة شامخة من أعلى القلل على هضبة منقطعة، عالية مرتفعة. ومن نواحيها واد، خاف من العمق غير باد، في أعماق ووهاد. وقد قطعت من الجبل حتى اتصل بالوادي خندقها، وأخذ من العوادي موثقها. فما إليها طريق ولا عليها طروق، ولا فيها للطمع علوق، ولا للسهم إليها مروق. ولا للزحف فيها مطمع، ولا للذر نحوها مطلع. ولا للطير في مراحها وكر، ولا للمكر في افتتاحها مكر. ولا للوهم في توقلها مجال، ولا للفهم من تصورها منال، ولا لها بمن يحتفل بها احتفال، وما عليها للنازلين عليها قتال ولا نزال، ولا يتغير مع تغير الأحوال حال. وصعب شغل الشفر واشتغل فكر

الكفر.

ولم ير السلطان طريقا غير الرمي من المنجنيق، لعله ينال جمعها بالتفريق.

وداومها بالحجارات اياما، ولكم سدد بها مرمى ومراما. ولم تعبأ بأعبائها، فإنها ترامت عن رمائها. وأبت إلا ثباتها، وأْعياد إعضال دائها، واستفحال بلائها، وخام الرجاء بالأرجاء عن أرجائها. ولو لم يضجر حاميها لضجر راميها، وسئم سائمها لتساميها. ولكنه وهي جلده؛ وهوى خلده، وخار قلبه، وحار لبه، وخاف من الإقامة، وخاب من السلامة. وارتاح إلى الراحة، وسما إلى السماحة. وعاج إلى الانزعاج، وعاد لداء خوفه في الاستئمان يطلب العلاج. ودعا إلى الدعة، والخروج من الضيق إلى السعة.

فبينما نحن في ترو وتفكر؛ وتخير للرأي وتدبر؛ ونقول: هذا حصر يشتد وأمر يمتد؛ وعمل يصعب، وأمل؛ يتعب؛ ومعقل لا يختل، ومعقد لا يحتل؛ ومقصد لا يدرك؛ ومورد لا يملك؛ ومكان لا إمكان لفتحه؛ ورجاء يطول الزمان في تطلب نجحه؛ إذ خرج من الحصن؛ من يضرع في الأمان ويمتري ضرع الأمن. فشكرنا الله على تسهيل المتوعر، وتيسير المتعسر، وتحصيل المتعذر، وتلقيح الرجاء من الياس، وتنقيح مناط حكم الصحة عند اضطراب علة القياس. وكان ذلك ثالث عشر الشهر يوم الثلاثاء، وسألوا في مهلة أيام والأرجاء، ليخبروا صاحب إنطاكية ويستأذنوه، ويبلوا عنده العذر ويخرجوا من الحصن ويسلموه.

فأصبحنا يوم الجمعة وصباح الجمع مسفر، وجناب الشرك مقفر. والشغر شاغر، والكفر صاغر، وفم القهر منا لهم فاغر، والإسلام قد ثلم ثغر من هو له مثاغر. والحصن البكر مفترع، والدين المتأصل بشعب النصر متفرع. وطلع العلم إلى ذلك العلم الطالع، وانتقم الهدى الضليع من الضلال الظالع. وكأنما عذبات تلك الراة مقاول الداعين، وكأنما أبراج تلك القلعة مسامع الواعين. وعاد الحصن آهلا بأهل

الإحصان، وصافح بأيدي الأيد إيمان ذوي الإيمان. فابتسم عن النصر ثغر الثغر، وفرغ القلب من شغل الشغر. وسلم هو وحصن بكاس، إلى (غرس الدين قليج الساقي) - عدوه الموت - بكاس الباس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015