أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وذكر الحديث بطوله - وفيه أنه استشهد فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، رواه النسائي (وعن عقبة بن عامر) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فصلى على قتلى أحد صلاته على الميت - رواه البخاري ومسلم - وفي رواية للبخاري صلى عليهم بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات (واحتج أصحابنا) بحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في قتلى أحد بدفنهم وبدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا رواه البخاري (وعن جابر) أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قتلى أحد لا تغسلوهم فان كل جرح أو كل دم يفوح مسكا يوم القيامة ولم يصل عليهم - رواه الأمام أحمد (وعن أنس) رضي الله عنه أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم، رواه أبو داود باسناد حسن أو صحيح (وأما الأحاديث) التي احتج بها القائلون بالصلاة، فاتفق أهل الحديث على ضعفها كلها إلا حديث عقبة بن عامر، والضعف فيها بين (قال البيهقي) وغيره، وأقرب ما روى حديث أبي مالك وهو مرسل، وكذا حديث شداد مرسل أيضا، فانهما تابعان (وأما حديث عقبة) فأجاب أصحابنا وغيرهم بأن المراد من الصلاة هنا الدعاء وقوله "صلاته على الميت" أي دعا لهم كدعاء صلاة الميت؛ وهذا التأويل لابد منه، وليس المراد صلاة الجنازة المعروفة لما أخرها ثمان سنين (ودليل آخر) وهو أنه لا يجوز أن يكون المراد صلاة الجنازة بالجماع لأن عندنا لا يصلى على الشهيد (وعند أبى حنيفة) رحمه الله لا يصلى على القبر بعد ثلاثة أيام فوجب تأويل الحديث، ولأن أبا حنيفة لا يقبل خبر الواحد فيما تعم به البلوى وهذا منها. والله اعلم (فان قيل) ما ذكرتموه من حديث جابر لا يحتج به لأنه نفى، وشهادة النفى مردودة مع ما عارضها من رواية الأثبات (فأجاب) أصحابنا بأن شهادة النفى إنما ترد إذا لم يحط بها علم الشاهد ولم تكن محصورة، اما ما أحاط به علمه وكان محصورا فيقبل بالاتفاق؛ وهذه قصة معينة أحاط بها جابر وغيره علما "وأما رواية الأثبات" فضعيفة فوجودها كالعدم إلا حديث عقبة وقد أجبنا عنه، واشتد انكار الشافعي في الأم وتشنيعة على من يقول يصلى على الشهيد محتجا برواية الشعبي وغيره أن حمزة رضي الله عنه صلى عليه سبعون صلاة، وكان يؤتي بتسعة من القتلى وحمزة عاشرهم فيصلى عليهم، ثم يرفعون وحمزة مكانه، ثم يؤتى بتسعة آخرين فيصلى عليهم وعلى حمزة حتى صلى عليه سبعين صلاة (قال الشافعي رحمه الله) وشهداء أحد اثنان وسبعون شهيدا، فاذا صلى علىهم عشرة عشرة فالصواب أن لا يكون أكثر من سبع صلوات أو ثمان على أنه صلى على كل تسعة مع حمزة صلاة فهذه سبع، فمن أين جاءت سبعون صلاة؟ وإن عنى أنه كبر سبعين تكبيرة