حَتَّى يَسْتَنْقِذُوا ذَلِكَ مِنْ أَيْدِيهِمْ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْحَرْبِ، فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ مَا لَمْ يَبْلُغُوا بِذَلِكَ حُصُونَهُمْ وَحِرْزَهُمْ، وَلَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ هُوَ الْمَالُ وَسِعَهُمْ أَنْ لَا يَتَّبِعُوهُمْ بَعْدَ مَا دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ وَإِذَا بَلَغُوا حِرْزَهُمْ وَمَأْمَنَهُمْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، فَأَتَاهُمْ الْمُسْلِمُونَ لِيُقَاتِلُوهُمْ لِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَضْلٌ أَخَذُوا بِهِ، وَإِنْ تَرَكُوا، أَوْ لَمْ يَتَّبِعُوهُمْ رَجَوْتُ أَنْ يَكُونُوا فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ وَذَرَارِيُّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَمْوَالُهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ ذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ، ثُمَّ إنَّمَا يُفْتَرَضُ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ اتِّبَاعَهُمْ إذَا طَمِعُوا إدْرَاكَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا حُصُونَهُمْ وَمَأْمَنَهُمْ، أَمَّا إذَا كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُدْرِكُونَهُمْ كَانُوا فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ يَقُومُوا، فَلَا يَتَّبِعُونَهُمْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: تُكْرَهُ الْجَعَائِلُ مَا دَامَ لِلْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُقَوِّيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى تَجْهِيزِ الْجَيْشِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ قُوَّةُ الْقِتَالِ بِأَنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فَيَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِمْ عَنْ غَيْرِ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ، فَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ إعْطَاءَ الْجُعْلِ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ، فَذَلِكَ لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا بَلْ يَكُونُ حَسَنًا مَرْغُوبًا فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ قُوَّةُ الْقِتَالِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْكُمَ الْإِمَامُ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ بِقَدْرِ مَا يَقْوَى بِهِ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ لِلْجِهَادِ، ثُمَّ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُجَاهِدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ.

وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْخُرُوجِ بِنَفْسِهِ، وَلَهُ مَالٌ يَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ غَيْرَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَالِهِ، فَيَصِيرَ أَحَدُهُمَا مُجَاهِدًا بِنَفْسِهِ وَالْآخَرُ بِمَالِهِ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ، فَالْإِمَامُ يُعْطِي كِفَايَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِذَا أَعْطَاهُ الْإِمَامُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِهِ جُعْلًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ أَوْ كَانَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ الْإِمَامُ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجُعْلَ مِنْ غَيْرِهِ هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى غَيْرِهِ جُعْلًا لِلْغَزْوِ عَنْهُ، فَإِنْ قَالَ لَهُ صَاحِبُ الْجُعْلِ حِينَ دَفَعَ الْجُعْلَ إلَيْهِ اُغْزُ بِهَذَا الْمَالِ عَنِّي، فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِ الْغَزْوِ حَتَّى لَا يَقْضِيَ بِهِ دَيْنَ نَفْسِهِ، وَلَا يَتْرُكَ نَفَقَةً لِأَهْلِهِ وَإِنْ قَالَ لَهُ حِينَ دَفَعَ إلَيْهِ هَذَا لَكَ اُغْزُ بِهِ كَانَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِ الْغَزْوِ كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى الْغَزْوِ ذَكَرَ هَذَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ.

وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ أَنَّ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ الْجُعْلِ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْخُرُوجُ لِلْجِهَادِ إلَّا بِهَذَا، فَكَانَ مِنْ أَعْمَالِ الْجِهَادِ مَعْنًى وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى غَيْرِهِ جُعْلًا لِلْغَزْوِ عَنْهُ، ثُمَّ عَرَضَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ عَارِضٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ بِنَفْسِهِ، فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى غَيْرِهِ أَقَلَّ مِمَّا أَخَذَ لِيَغْزُوَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنْ لَا يُمْسِكَ الْفَضْلَ لِنَفْسِهِ بَلْ يَرُدُّهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَلَا بَأْسَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنْ يُمْسِكَ الْفَضْلَ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْجُعْلِ قَالَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ: اُغْزُ بِهَذَا الْمَالِ عَنِّي، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ الْفَضْلَ لِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ هَذَا الْمَالُ لَك اُغْزُ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ الْفَضْلَ أَلَا يُرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ جَمِيعَ الْمَالِ لِنَفْسِهِ فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا يَغْزُوَ بِهِ وَإِذَا شَرَطَ مُسْلِمٌ لِمُسْلِمٍ جُعْلًا لِيَقْتُلَ كَافِرًا حَرْبِيًّا فَقَتَلَهُ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاجِبٌ لِلشَّارِطِ أَنْ يَفِيَ بِمَا شَرَطَ، وَلَكِنْ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خَاصَّةً، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ هَذَا الشَّرْطُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَمِيرُ الْعَسْكَرِ أَجِيرًا بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، فَعَمِلَ الْأَجِيرُ وَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ، فَالزِّيَادَةُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015