بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنْفَرِدِ بِوَضْعِ الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ الْمُسْتَبِدِّ بِرَفْعِ مَعَالِمِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الَّذِي ذَلَّلَ لِجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ جُمُوحَ الدِّرَايَةِ وَشُمُوسَهَا فَأَنَارُوا أَقْمَارَ الرِّوَايَةِ مِنْ شُمُوسِهَا وِقَايَةً عَنْ الزَّلَلِ فِي عُمُومِ الْبَلْوَى وَهِدَايَةً إلَى الصَّوَابِ لَدَى الْفَتْوَى
وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مُصَلَّى مِضْمَارِ الرِّسَالَةِ بِعْثَةً وَزَمَانًا، وَمُجَلِّي مَيْدَانِ الدَّلَالَةِ رُتْبَةً وَمَكَانًا، فَاتِحِ رِتَاجِ السُّبُلِ وَلَاقِحِ نِتَاجِ الرُّسُلِ الَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ حُجَّةً عَلَى الْجَاحِدِينَ وَخَتَمَ بِهِ بَابَ النُّبُوَّةِ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَعَلَى آلِهِ الْكِرَامِ وَأَصْحَابِهِ الْعِظَامِ كُلِّهِمْ أَجْمَعِينَ.
(وَبَعْدُ) فَإِنَّ الْفِقْهَ حَدٌّ حَاجِزٌ بَيْنَ الْهِدَايَةِ وَالضَّلَالِ وَقِسْطَاسٌ مُسْتَقِيمٌ لِمَعْرِفَةِ مَقَادِيرِ الْأَعْمَالِ وَعَيَالِمُهُ الزَّاخِرَةُ لَا يُوجَدُ لَهَا قَرَارٌ وَأَطْوَادُهُ الشَّامِخَةُ لَا يُدْرَكُ فُنُونُهَا بِالْأَبْصَارِ.
إلَّا أَنَّ الْكُتُبَ الْمُصَنَّفَةَ الْمُتَدَاوَلَةَ وَالصُّحُفَ الْمُؤَلَّفَةَ الْمُتَنَاوَلَةَ فِي هَذَا الْفَنِّ لَا تَشْفِي الْعَلِيلَ وَلَا يُفْأَمُ مِنْهَا الْغَلِيلُ إذْ بَعْضُهَا طَارِحٌ لِشَطْرِ الْمَسَائِلِ وَأَكْثَرُهَا مُنْطَوٍ عَلَى الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمُتَعَارِضَةِ الدَّلَائِلِ فَيَشْجُرُ الْمُبْتَغِي لِلتَّمَسُّكِ بِالْأَلْيَقِ وَالْأَقْوَى كَمَنْ هَامَ فِي الْهَيْمَاءِ فِي اللَّيْلِ الْأَهْيَمِ وَيَضْجَرُ الْمُسْتَهْتِرُ بِأَخْذِ مَا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى كَفَاقِدٍ الْعَيْهَمَ فِي الْغَيْهَمِ حَتَّى عَشَا أَكْثَرُهُمْ عَنْ أَضْوَاءِ السُّنَّةِ إلَى نِيرَانِ الْأَهْوَاءِ وَرَكَنُوا إلَى طِرْمِسَاءِ الْبِدَعِ وَأَبَاطِيلِ الْآرَاءِ فَلَا يُمَيِّزُ الصَّدُوقَ عَنْ الطِّبْرِسِ وَلَا يَفْصِلُ الْمُحِقَّ وَالطِّمْرِسَ وَذَهَبُوا فِي وَادِ تِيهٍ بَعْدَ تِيهٍ.
وَلَمْ يَجِدُوا دَلِيلًا عَلَى مَرَامِهِمْ إلَّا سَفِيهًا غِبَّ سَفِيهٍ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِاسْتِنَارَةِ صَدِيعِ سَلْطَنَةِ الْمَلِكِ السَّمَيْدَعِ الصِّلْهَامِ وَانْفِلَاقِ صُبْحِ دَوْلَةِ السُّلْطَانِ الْهَمَيْسَعِ الْقَمْقَامِ الْقَرْمِ الْمِقْرَمِ وَالْقَذْمِ الْقَلَهْذَمِ رِزْمِ آجَامِ الْوَغَى وَقُفْصُلِ غِيَاضِ الْمُزْدَحِمِ الْمُطَيَّمِ عَلَى الْعَدْلِ وَالشَّجَاعَةِ وَالنَّدَى وَالْمَفْطُورِ تِقْنُهُ مِنْ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ وَالتَّقْوَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَرَئِيسِ الْمُسْلِمِينَ إمَامِ الْغُزَاةِ وَرَأْسِ الْمُجَاهِدِينَ أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحْيِي الدِّينِ مُحَمَّدٌ أورنك زيب بهادر عالم كيربادشاه غَازِي أَبَّدَ اللَّهُ تَعَالَى سُلْطَانَهُ