خِيَارِ الشَّرْطِ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْفَسْخِ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ لَا بِالْقِيمَةِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بُيُوعِ الْجَامِعِ فِي بَابِ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا الْمُشْتَرَى فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ بَعْدَ الْفَسْخِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ لَا بِالثَّمَنِ كَمَا قَبْلَ الْفَسْخِ وَالرَّدُّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءِ نَظِيرِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِلْمُشْتَرِي.

وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي حِيَلِ الْأَصْلِ وَقَالَ: الْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ الْمُسْتَقْرِضُ نِصْفَ دَارِهِ مِنْ الْمُقْرِضِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إلَى وَقْتِ كَذَا شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ رَدَّ الْمَالَ فِيهِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ فَالْخِيَارُ بَاطِلٌ وَالْبَيْعُ لَازِمٌ. وَقَدْ عُرِفَ مِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَلَكِنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ لَا تَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ فَنَقَضَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ بَعْدَ مَا تَقَابَضَا فَالْجَوَابُ فِيهِ وَاحِدٌ إلَّا أَنَّ هَذَا الْمَبِيعَ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ إنْ هَلَكَ أَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مِثْلَ قِيمَتِهِ وَيُتَرَادَّانِ الْفَضْلَ إنْ كَانَ هُنَاكَ فَضْلٌ.

(رَجُلٌ) أَرَادَ أَنْ يَرْتَهِنَ مِنْ رَجُلٍ رَهْنًا وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ بِأَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ أَرْضًا أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَزْرَعَهَا أَوْ يَكُونَ دَارًا أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَسْكُنَهَا؛ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَرْتَهِنَ ذَلِكَ الشَّيْءَ وَيَقْبِضَهُ ثُمَّ يَسْتَعِيرَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنْ الرَّاهِنِ، فَإِذَا أَعَارَهُ إيَّاهُ وَأَذِنَ لَهُ بِالِانْتِفَاعِ طَابَ لَهُ ذَلِكَ وَالْعَارِيَّةُ لَا تَرْفَعُ الرَّهْنَ وَلَكِنْ مَا دَامَ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُرْتَهِنُ لَا يَظْهَرُ حُكْمُ الرَّهْنِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الِانْتِفَاعِ يَعُودُ رَهْنًا كَمَا كَانَ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ يُبْطِلُ الرَّهْنَ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الِانْتِفَاعَ بِالدَّارِ وَفَرَّغَهَا تَعُودُ رَهْنًا فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ مَعَ تَرْكِ الِانْتِفَاعِ التَّفْرِيغَ شَرْطٌ لِيَعُودَ رَهْنًا. وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ: إذَا تَرَكَ الِانْتِفَاعَ بِهِ عَادَ رَهْنًا، فَظَاهِرُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَرْهُونُ دَارًا اسْتَعَارَهَا الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ، وَنَقَلَ إلَيْهَا مَتَاعَهُ ثُمَّ تَرَكَ سُكْنَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ أَنَّهَا تَعُودُ رَهْنًا وَإِنْ لَمْ يُفَرِّغْ الدَّارَ. وَشَرَطَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - التَّفْرِيغَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ هَذَا مِنْ الْخَصَّافِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

(رَجُلٌ) فِي يَدَيْهِ رَهْنٌ وَالرَّاهِنُ غَائِبٌ فَأَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يُثْبِتَ الرَّهْنَ عِنْدَ الْقَاضِي حَتَّى يُسَجِّلَ لَهُ بِذَلِكَ وَيَحْكُمَ بِأَنَّهَا رَهْنٌ فِي يَدَيْهِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَأْمُرَ الْمُرْتَهِنُ رَجُلًا غَرِيبًا حَتَّى يَدَّعِيَ رَقَبَةَ هَذَا الرَّهْنِ وَيَقْدَمَ الْمُرْتَهِنُ إلَى الْقَاضِي فَيُقِيمَ الْمُرْتَهِنُ بَيِّنَةً عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ رَهَنَ عِنْدَهُ فَيَسْمَعَ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ عَلَى الرَّهْنِ وَيَقْضِيَ بِكَوْنِهِ رَهْنًا عِنْدَهُ وَيَدْفَعَ خُصُومَةَ الْغَرِيبِ، فَهَذَا تَنْصِيصٌ مِنْ الْخَصَّافِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الرَّاهِنِ مَقْبُولَةٌ وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ غَائِبًا. وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ وَشَوَّشَ فِيهِ الْجَوَابَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ شَرَطَ حَضْرَةَ الرَّاهِنِ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الرَّهْنِ وَالْمَشَايِخُ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ، بَعْضُهُمْ قَالُوا: مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ وَقَعَ غَلَطًا مِنْ الْكَاتِبِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ، كَمَا لَوْ أَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ بَيِّنَةً أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً مِنْ جِهَةِ فُلَانٍ أَوْ مُضَارَبَةً أَوْ غَصْبًا أَوْ إجَارَةً، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ فِي إحْدَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015