بَيْعَ الْمَنَافِعِ بَاطِلٌ وَالْإِجَارَةُ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى مَا لَهُ مَالِيَّةٌ وَالْمَنَافِعُ لَا مَالِيَّةَ فِيهَا فَلَا يَرِدُ عَلَيْهَا الْبَيْعُ، كَذَا هُنَا فِي مَسْأَلَتِنَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِي إذَا اشْتَرَى مِنْ الشَّفِيعِ حَقَّهُ بِمَالٍ كَانَ الشِّرَاءُ بَاطِلًا وَكَانَ ذَلِكَ تَسْلِيمًا لِلشُّفْعَةِ وَإِبْطَالًا لَحَقِّهِ.

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَجَدْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُشْكِلَةً لَيْسَ لَهَا فِي الْأُمَّةِ مَنْ يَفْتَحُهَا، وَإِنَّمَا تُشْكِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لِإِشْكَالِ هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى مَا لَهُ مَالِيَّةٌ وَثَمَنِيَّةٌ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَسَائِلِ وَتُشْكِلُ هَذِهِ بِمَسْأَلَةِ الطَّلَاق فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا: اشْتَرَيْت طَلَاقِي مِنْك بِكَذَا، فَقَالَ الزَّوْجُ: بِعْت؛ صَحَّ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ. وَكَذَا لَوْ بَاعَ الزَّوْجُ مِنْهَا طَلَاقَهَا بِمَالٍ أَوْ بَاعَ بِضْعَهَا مِنْهَا بِمَالٍ وَاشْتَرَتْ مِنْهُ يَصِحُّ وَيَجِبُ الْبَدَلُ وَلَا مَالِيَّةَ فِي نَفْسِهَا وَلَا ثَمَنِيَّةَ، وَكَذَا لَا مَالِيَّةَ فِي طَلَاقِهَا وَلَا ثَمَنِيَّةَ، وَمَعَ ذَلِكَ صَحَّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَصِحَّةُ الطَّلَاقِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ تَقْتَضِي جَوَازَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَجَوَازَ بَيْعِ الْمَنَافِعِ وَجَوَازَ بَيْعِ الْوَصِيَّةِ، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنَّ مَشَايِخَنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - تُكَلَّفُوا لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْكَرْخِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَعْيَاهُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَتَّى رَجَعَ عَنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ.

وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي انْعِقَادِ الْإِجَارَةِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُوصَى لَهُ وَصِيَّتَهُ مِنْ الْوَارِثِ بِمَالٍ وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الْمَبْسُوطِ يُخَالِفُهُ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لِلْوَارِثِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْمُوصَى لَهُ وَصِيَّتَهُ بِمَالٍ كَيْفَ الْحِيلَةُ وَالثِّقَةُ لِلْوَارِثِ فِيهِ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُصَالِحَ الْوَارِثُ الْمُوصَى لَهُ مِنْ وَصِيَّتِهِ عَلَى دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ فَيَجُوزُ وَيَبْطُلُ حَقُّ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ وَيَصِيرُ الْعَبْدُ لِلْوَارِثِ يَصْنَعُ بِهِ مَا بَدَا لَهُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ هَذَا الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ، وَالصُّلْحُ إذَا كَانَ وَاقِعًا عَلَى خِلَافِ جِنْسِ الْحَقِّ يُعْتَبَرُ مُعَاوَضَةً وَتَمْلِيكًا وَتَعَذَّرَ اعْتِبَارُ هَذَا الصُّلْحِ تَمْلِيكًا؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مَلَكَ خِدْمَةَ الْعَبْدِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَمَنْ مَلَكَ مَنْفَعَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَمْلِكُ التَّمْلِيكَ مِنْ غَيْرِهِ بَعُوضٍ كَالْمُسْتَعِيرِ. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الصُّلْحَ مَتَى تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ تَمْلِيكًا فَإِنَّهُ مُعْتَبَرٌ إسْقَاطًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

[الْفَصْلُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الرَّهْنِ]

(الْفَصْلُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الرَّهْنِ) رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَرْهَنَ نِصْفَ دَارِهِ أَوْ نِصْفَ ضِيَاعِهِ شَائِعًا لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا، وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ فَإِنْ طَلَبَا حِيلَةً فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ نِصْفَ دَارِهِ أَوْ نِصْفَ ضِيَاعِهِ بِالْمَالِ الَّذِي يُرِيدُ اسْتِقْرَاضَهُ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِيهِ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِذَا تَقَابَضَا فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ فَيَبْقَى الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ عَلَى حُكْمِ الرَّهْنِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ إنْ هَلَكَ هَلَكَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ دَخَلَهُ عَيْبٌ ذَهَبَ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ، هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حِيَلِهِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرَى فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015