وَيُقِرَّ هَذَا الطَّالِبُ أَنَّ هَذَا الْمَالَ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى الْمَيِّتِ وَعَلَى كَفِيلِهِ هَذَا إلَى هَذَا الْوَقْتِ وَيُقِرَّ الطَّالِبُ أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى هَذَا الْوَارِثِ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، فَإِذَا أَقَرَّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَحِينَئِذٍ يَبْقَى الْمَالُ عَلَى الْوَارِثِ مُؤَجَّلًا، وَإِنَّمَا كَانَ هَكَذَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ، وَإِنْ سَقَطَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ بِمَوْتِهِ لَكِنْ لَا يَسْقُطُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ فَيَبْقَى عَلَى الْوَارِثِ مُؤَجَّلًا هَكَذَا ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَيُقِرُّ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى هَذَا الْوَارِثِ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ حَلَّ عَلَى الْأَصِيلِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ وَيَأْخُذَهُ أَيْنَمَا وُجِدَ فَيُقِرُّ هَكَذَا حَتَّى يَكُونَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَارِثِ قَالَ فِي الْكِتَابِ وَلَا يُقِرُّ أَنَّهُ مَاتَ مُفْلِسًا وَضَمِنَ الْوَارِثُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَكِنْ يُقِرُّ أَنَّهُ كَانَ ضَمِنَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالدَّيْنِ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ لَا تَصِحُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَحَرَّزَ عَنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

[الْفَصْلُ السَّابِعَ عَشَرَ فِي الْإِجَارَاتِ]

(الْفَصْلُ السَّابِعَ عَشَرَ فِي الْإِجَارَاتِ) قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي إجَارَاتِ الْأَصْلِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ مِنْ آخَرَ حَمَّامًا وَشَرَطَ رَبُّ الْحَمَّامِ الْمَرَمَّةَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْمَرَمَّةِ يَصِيرُ أَجْرًا وَإِنَّهُ مَجْهُولٌ، وَإِنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ فِي ذَلِكَ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَرَمَّةِ وَيَضُمَّ ذَلِكَ إلَى الْأُجْرَةِ، ثُمَّ يَأْمُرَ صَاحِبُ الْحَمَّامِ الْمُسْتَأْجِرَ بِصَرْفِ مَا ضَمَّ إلَى الْأَجْرِ لِلْمَرَمَّةِ إلَى الْمَرَمَّةِ، حَتَّى إنَّهُ إذَا كَانَ الْأَجْرُ عَشْرَةً وَالْقَدْرُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْمَرَمَّةِ أَيْضًا عَشْرَةٌ فَصَاحِبُ الْحَمَّامِ يُؤَاجِرُ الْحَمَّامَ مِنْهُ بِعِشْرِينَ وَيَأْمُرُ بِصَرْفِ الْعَشَرَةِ إلَى الْمَرَمَّةِ فَيَصِيرُ الْمُسْتَأْجِرُ وَكِيلًا مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الْحَمَّامِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَإِنَّهُ مَعْلُومٌ فَيَجُوزُ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: هَذِهِ الْحِيلَةُ مُسْتَقِيمَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ دَيْنٌ وَقَدْ أَمَرَهُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمَجْهُولِ وَهُوَ بَائِعٌ آلَاتِ الْمَرَمَّةِ وَالْأَجْرُ مَجْهُولٌ وَإِنَّهُ يَمْنَعُ جَوَازَ الْوَكَالَةِ عَلَى قَوْلِهِ كَمَا إذَا قَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ أَسْلِمْ مَا لِي عَلَيْك فِي كَذَا أَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي بِمَا لِي عَلَيْكَ كَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا بَلْ هَذِهِ الْحِيلَةُ مُسْتَقِيمَةٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ بَعْضُهُمْ قَالُوا حَالَةُ التَّوْكِيلِ الْأُجْرَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِيَكُونَ أَمْرًا بِصَرْفِ الدَّيْنِ إلَى الْمَجْهُولِ وَهُوَ الْمَانِعُ مِنْ الْوَكَالَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِهَذَا قَبْلَ الْإِجَارَةِ جَازَتْ الْوَكَالَةُ، وَإِنَّمَا جَارَتْ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الدِّينَ هُنَاكَ وَاجِبٌ وَقْتَ الْوَكَالَةِ، فَإِذَا وَكَّلَهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمُسْلِمُ إلَيْهِ فَقَدْ أَمَرَهُ بِصَرْفِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْمَجْهُولِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: ادْفَعْ مَا لِي عَلَيْك إلَى رَجُلٍ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ أَمَّا هَهُنَا فَبِخِلَافِهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ وَاجِبَةً وَقْتَ التَّوْكِيلِ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا لَمْ يُعَيِّنْ الْأَجْرَ وَبَاعَهُ الْآلَاتِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ السَّلَمِ.

وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا لَا يُجَوِّزُ التَّوْكِيلَ بِصَرْفِ الدَّيْنِ إذَا كَانَ الْمَصْرُوفُ إلَيْهِ مَجْهُولًا أَمَّا إذَا كَانَ مَعْلُومًا فَلَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ آخَرَ دَابَّةً أَوْ غُلَامًا وَأَمَرَ الْآجِرُ الْمُسْتَأْجِرَ أَنْ يُنْفِقَ بَعْضَ الْأُجْرَةِ فِي عَلَفِ الدَّابَّةِ وَنَفَقَةِ الْغُلَامِ يَجُوزُ لَمَّا كَانَ مَحِلُّ الصَّرْفِ وَهُوَ الْغُلَامُ وَالدَّابَّةُ مَعْلُومًا وَهَهُنَا مَحِلُّ الصَّرْفِ وَهُوَ مَرَمَّةُ الْحَمَّامِ مَعْلُومٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مَحِلُّ الصَّرْفِ وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ مَجْهُولٌ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعْلُومًا بِأَنْ قَالَ: أَسْلِمْ مَا لِي عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ إلَى فُلَانٍ وَعَيَّنَهُ يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: قَدْ رَمَمْتُ الْحَمَّامَ بِهَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَشْهَدَ رَبُّ الْحَمَّامِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مُصَدَّقٌ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ الْإِنْفَاقِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ إلَّا بِحُجَّةٍ يَعْنِي أَشْهَدَ وَقْتَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَوَقْتَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015