اشْتِرَاطِ الْمَرَمَّةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مُصَدَّقٌ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ الْإِنْفَاقِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ بِدَعْوَى الْإِنْفَاقِ يَدَّعِي إيفَاءَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ وَرَبُّ الْحَمَّامِ يُنْكِرُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْحَمَّامِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُسْتَأْجِرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى كَمَا لَوْ ادَّعَى الْإِيفَاءَ حَقِيقَةً وَالْحِيلَةُ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى مَا أَنْفَقَ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ أَنْ يُعَجِّلَ الْمُسْتَأْجِرُ مِقْدَارَ الْمَرَمَّةِ وَيَدْفَعَهُ إلَى صَاحِبِ الْحَمَّامِ، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْحَمَّامِ يَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيَأْمُرُهُ بِإِنْفَاقِ ذَلِكَ فِي مَرَمَّةِ الْحَمَّامِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي إنْفَاقِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ بِالتَّعْجِيلِ يَصِيرُ الْمُعَجَّلُ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْحَمَّامِ، فَإِذَا دَفَعَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ بَعْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ الْمُسْتَأْجِرُ أَمِينًا فِيهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ فِي صَرْفِ الْأَمَانَةِ إلَى مَصْرِفِهَا.
(وَحِيلَةٌ أُخْرَى لِإِسْقَاطِ الْبَيِّنَةِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ) أَنْ يَجْعَلَا مِقْدَارَ الْمَرَمَّةِ فِي يَدِ عَدْلٍ حَتَّى يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْعَدْلِ فِيمَا يُنْفِقُ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ أَمِينٌ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ مِنْ آخِرِ عَرْصَةِ دَارٍ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَأَذِنَ لَهُ رَبُّ الدَّارِ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا كَذَا وَكَذَا وَيَحْسِبُ لَهُ مَا أَنْفَقَ فِي الْبِنَاءِ مِنْ الْأَجْرِ فَهَذَا جَائِزٌ.
أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا وَوَكَّلَهُ رَبُّ الْحَمَّامِ أَنْ يَرُمَّ مَا اسْتَرَمَّ مِنْ الْحَمَّامِ وَيَحْسِبُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ يَجُوزُ وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ وَأَنْفَقَ فِي الْبِنَاءِ اسْتَوْجَبَ عَلَى الْآجِرِ قَدْرَ مَا أَنْفَقَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِأَمْرِهِ وَالْأَجْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دَيْنٌ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَضْلٌ وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَضْلٌ وَيَكُونُ الْبِنَاءُ لِصَاحِبِ الْعَرْصَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الْحَمَّامِ الْمُحَاسَبَةَ مِنْ الْأَجْرِ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْبِنَاءِ لَا غَيْرُ بِأَنْ قَالَ ابْنِ فِيهَا كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يَقُلْ أُحَاسِبُك بِمَا أَنْفَقْت فِي الْبِنَاءِ مِنْ الْأَجْرِ فَبَنَى فِيهَا فَالْبِنَاءُ لِمَنْ يَكُونُ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْبِنَاءُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْعَرْصَةِ وَاسْتُدِلَّ بِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ أَنَّ مَنْ آجَرَ مِنْ آخَرَ حَمَّامًا وَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْحَمَّامِ: رُمَّ مَا اسْتَرَمَّ فَفَعَلَ فَالْعِمَارَةُ تَكُونُ لِصَاحِبِ الْحَمَّامِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَاسْتُدِلَّ بِمَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ أَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ دَارًا أَوْ بَنَى فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّ الدَّارِ أَنَّ الْبِنَاءَ يَكُونُ لِلْمُسْتَعِيرِ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْبِنَاءَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَا يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْآجِرِ بِمَا أَنْفَقَ فِي الْبِنَاءِ، فَإِنْ خَافَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنَّهُ لَوْ بَنَى وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَبْلَ تَمَامِ هَذِهِ السِّنِينَ رُبَّمَا يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى قَاضٍ لَا يَرَى لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى الْآجِرِ بِمَا أَنْفَقَ فِي الْبِنَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا فَتَذْهَبُ نَفَقَتُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ وَطَلَبَ لِذَلِكَ حِيلَةً فَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِ السَّاحَةِ حِينَ يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ فِي الْبِنَاءِ وَأُحَاسِبُك بِمَا أَنْفَقْت فِي الْبِنَاءِ مِنْ الْأُجْرَةِ فَيَكُونُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْآجِرِ بِمَا أَنْفَقَ بِالْإِنْفَاقِ مَتَى انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ قَبْلَ تَمَامِ هَذِهِ السِّنِينَ.
(وَحِيلَةٌ أُخْرَى) أَنْ يَنْظُرَ إلَى مِقْدَارِ هَذِهِ النَّفَقَةِ كَمْ يَكُونُ وَيَضُمَّ ذَلِكَ إلَى أَجْرِ الدَّارِ فِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ وَيَجْعَلَ الْكُلَّ أَجْرَ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ، ثُمَّ يُقِرَّ رَبُّ الدَّارِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَسْلَفَهُ أَيْ عَجَّلَهُ مِنْ أُجْرَةِ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ كَذَا وَكَذَا وَقَبَضَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى إذَا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَالْمُسْتَأْجِرُ يَرْجِعُ عَلَى الْآجِرِ بِمَا أَقَرَّ أَنَّهُ أَسْلَفَ مِنْ أُجْرَةِ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ، وَإِنْ تَمَّتْ الْإِجَارَةُ حَصَلَ مَقْصُودُ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَى صَاحِبِ السَّاحَةِ سَبِيلٌ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ خَافَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ الْمُؤَاجِرُ بِاَللَّهِ لَقَدْ أَسْلَفْته كَذَا وَكَذَا وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْلِفَ لَا بُدَّ مِنْ حِيلَةٍ أُخْرَى فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ الْمُؤَاجِرِ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ وَيَدْفَعَ ذَلِكَ الشَّيْءَ إلَيْهِ، فَإِنْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ السِّنِينَ فَالْمُسْتَأْجِرُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِثَمَنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمُؤَاجِرِ هَذَا الْقَدْرَ؛ لِأَنَّهُ جَرَتْ الْمُبَايَعَةُ بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْقَدْرِ.
(وَإِذَا) أَرَادَ الرَّجُلُ