الْمَالَ حِينَ وَجَبَ عَلَى الْمَطْلُوبِ، إنَّمَا وَجَبَ مُنَجَّمًا إلَى وَقْتِ كَذَا وَيَصِفُ النُّجُومَ وَهَذَا لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ هَلْ يَمْلِكُ التَّأْجِيلَ وَالتَّنْجِيمَ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَمُنَجَّمٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقِرَّ الطَّالِبُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يُجَوِّزْ التَّأْجِيلَ وَالتَّنْجِيمَ بَعْدَ مَا ثَبَتَ الدَّيْنُ مُطْلَقًا وَجَوَّزَ الْإِقْرَارَ بِوُجُوبِ الْمَالِ مُؤَجَّلًا وَمُنَجَّمًا مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالُوا فِي الدَّيْنِ إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُؤَجِّلَ فِي نَصِيبِهِ وَأَبَى الْآخَرُ لَا يَجُوزُ هَذَا التَّأْجِيلُ أَصْلًا، فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا هَذَا الدَّيْنُ حِينَ وَجَبَ وَجَبَ مُؤَجَّلًا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ ثَبَتَ التَّأْجِيلُ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ وَكَذَلِكَ حَدُّ الْقَذْفِ إذَا وَجَبَ عَلَى الْقَاذِفِ فَأَرَادَ الْمَقْذُوفُ أَنْ يَعْفُوَ لَا يَعْمَلُ عَفَوْهُ وَلَوْ قَالَ الْمَقْذُوفُ: كُنْتُ مُبْطِلًا فِي دَعْوَايَ سَقَطَ الْحَدُّ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِسَبَبِ الشَّيْءِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَقَرَّ وَمَنْ أَرَادَ بِإِقْرَارِهِ تَغْيِيرَ سَبَبٍ قَدْ صَحَّ لَا يَعْمَلُ إقْرَارُهُ فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَجَلُ مُتَعَارَفًا فَأَمَّا إذَا كَانَ أَجَلًا يُخَالِفُ عُرْفَ النَّاسِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.
وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ بِأَجَلٍ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَيْفَمَا كَانَ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ مِنْ التَّأْجِيلِ مَا كَانَ مُتَعَارَفًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الطَّالِبُ لِلْمَطْلُوبِ أَيْضًا مَا يَبْدُو لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ دَرْكٍ مِنْ قِبَلِهِ وَبِأَسْبَابِهِ مِنْ إقْرَارٍ وَتَلْجِئَةٍ وَهِبَةٍ وَتَمْلِيكٍ وَتَوْكِيلٍ وَحَدَثٍ إنْ كَانَ أَحْدَثَهُ فِي هَذَا الْمَالِ يَبْطُلُ بِهِ التَّأْجِيلُ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ فُلَانٌ فَهُوَ ضَامِنٌ حَتَّى يُخَلِّصَهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا يَلْزَمُهُ احْتَالَا بِهَذِهِ الْحِيلَةِ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ قَدْ كَانَ الطَّالِبُ أَقَرَّ لَهُ بِالْمَالِ قَبْلَ التَّأْجِيلِ فَأَخَذَ الْمَطْلُوبُ بِالْمَالِ وَكَذَّبَهُ فِي التَّأْجِيلِ لَا يَثْبُتُ التَّأْجِيلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَكِنْ يَكُونُ لِلْمَطْلُوبِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الطَّالِبِ بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ لَهُ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ دَرْكٍ وَقَدْ لَحِقَهُ الدَّرْكُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ فَإِمَّا أَنْ يُخَلِّصَهُ الطَّالِبُ، وَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا ضَمِنَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ إلَى وَقْتِ أَجَلِهِ وَتَنْجِيمِهِ.
(رَجُلٌ) لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَمَاتَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ فَسَأَلَ الْوَارِثُ صَاحِبَ الْمَالِ أَنْ يَضْمَنَهُ هَذَا الْمَالَ إلَى أَجَلٍ يَعْنِي يُؤَجِّلُ هَذَا الْمَالَ قَالَ: لَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْخَصَّافِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ لَا ذِكْرَ لَهَا فِي الْمَبْسُوطِ وَلَكِنْ ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْمَالُ إذَا مَاتَ حَلَّ الْأَجَلُ بِمَوْتِهِ وَذَكَرَ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْفَصْلَ هُنَاكَ وَقَالَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَجَلُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّهِ فَبَعْدَ هَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَثْبُتَ الْأَجَلُ لِلْمَيِّتِ أَوْ يَثْبُتَ فِي الْمَالِ لَا وَجْهَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ سَقَطَ عَنْ ذِمَّتِهِ بِالْمَوْتِ فَكَيْفَ يَعُودُ الْأَجَلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَجَلَ الثَّابِتَ لِهَذَا الشَّخْصِ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْأَجَلُ لَهُ ابْتِدَاءً بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ وَالْأَعْيَانُ لَا تَقْبَلُ الْآجَالَ فَلِذَلِكَ قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْأَجَلُ وَرَدُّوا هَذَا إلَى مَسْأَلَةٍ وَهِيَ أَنَّ غَرِيمَ الْمَيِّتِ إذَا أَبْرَأَ الْمَيِّتَ عَنْ الدَّيْنِ فَرَدَّهُ الْوَارِثُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَعْمَلُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَعْمَلُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَطْلُوبُ بِالدَّيْنِ فَلَمَّا عَمِلَ رَدَّهُ وَجُعِلَ كَأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ عَمِلَ أَيْضًا الْأَجَلُ وَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ هَكَذَا قَالُوا: وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ عَلَى الِاتِّفَاقِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ.
ثُمَّ إذَا كَانَ لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ مَا الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ قَالَ الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقِرَّ الْوَارِثُ إنِّي قَدْ كُنْتُ ضَمِنْتُ هَذَا الْمَالَ عَنْ الْمَيِّتِ فِي حَيَاتِهِ لِفُلَانٍ إلَى وَقْتِ كَذَا