كَتَبَ ابْنُ سِمَاعَةَ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي قَوْمٍ وَرِثُوا دَارًا وَبَاعَ بَعْضُهُمْ نَصِيبَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَغَابَ الْأَجْنَبِيُّ الْمُشْتَرِي وَطَلَبَتْ الْوَرَثَةُ الْقِسْمَةَ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِيرَاثِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا حَضَرَ الْوَارِثَانِ قَسَمَهَا الْقَاضِي حَضَرَ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَحْضُرْ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِمَنْزِلَةِ الْوَارِثِ الَّذِي بَاعَهُ وَفِي الْأَصْلِ إذَا كَانَتْ الْقَرْيَةُ وَأَرْضُهَا بَيْنَ رَجُلَيْنِ بِالشِّرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَ نَصِيبَهُ مِيرَاثًا فَأَقَامَ وَرَثَتُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِيرَاثِ وَعَلَى الْأَصْلِ وَشَرِيكُ أَبِيهِمْ غَائِبٌ لَمْ يَقْسِمْ الْقَاضِي حَتَّى يَحْضُرَ شَرِيكُ أَبِيهِمْ وَلَوْ حَضَرَ شَرِيكُ الْأَبِ وَغَابَ بَعْضُ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ قَسَمَهَا الْقَاضِي بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ حُضُورَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ كَحُضُورِ الْمَيِّتِ لَوْ كَانَ حَيًّا أَوْ كَحُضُورِ بَاقِي الْوَرَثَةِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الشَّرِكَةِ بِالْمِيرَاثِ بِأَنْ كَانَا وَرِثَا قَرْيَةً عَنْ أَبِيهِمَا فَقَبْلَ أَنْ يَقْسِمَا مَاتَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَ نَصِيبَهُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ فَحَضَرَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ الثَّانِي وَعَمُّهُمْ غَائِبٌ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى مِيرَاثِهِمْ عَنْ أَبِيهِمْ عَنْ جَدِّهِمْ قَسَمَهَا الْقَاضِي بَيْنَهُمْ وَيَعْزِلُ نَصِيبَ عَمِّهِمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَضَرَ عَمُّهُمْ وَغَابَ بَعْضُهُمْ قَسَمَهَا الْقَاضِي بَيْنَهُمْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
فِي النَّوَازِلِ: سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ قَرْيَةٍ مَشَاعٍ بَيْنَ أَهْلِهَا رُبْعُهَا وَقْفٌ وَرُبْعُهَا جَرِدٌ وَنِصْفُهَا مِلْكٌ شَائِعٌ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنْهَا مَقْبَرَةً وَيُرِيدُونَ قِسْمَةَ بَعْضِهَا لِيَصْفُوَ لَهُمْ الْمِلْكُ وَيَجْعَلُوهَا مَقْبَرَةً قَالَ: إنْ قُسِّمَتْ الْقَرْيَةُ كُلُّهَا عَلَى مِقْدَارِ نَصِيبِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ جَازَتْ الْقِسْمَةُ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَقْسِمُوا مَوْضِعًا فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ كَذَا فِي التتارخانية.
فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ أَحَدِ الْوَرَثَةِ بَعْضَ نَصِيبِهِ ثُمَّ حَضَرَا يَعْنِي الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ وَطَلَبَا الْقِسْمَةَ فَالْقَاضِي لَا يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَحْضُرَ وَارِثٌ آخَرُ غَيْرُ الْبَائِعِ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ نَصِيبَهُ ثُمَّ وَرِثَ الْبَائِعُ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ اشْتَرَى لَمْ يَكُنْ خَصْمًا لِلْمُشْتَرِي فِي نَصِيبِهِ الْأَوَّلِ فِي الدَّارِ حَتَّى يَحْضُرَ وَارِثٌ آخَرُ غَيْرُهُ، وَلَوْ حَضَرَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَارِثِ وَوَارِثٌ آخَرُ وَغَابَ الْوَارِثُ الْبَائِعُ وَأَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى شِرَائِهِ وَقَبْضِهِ وَعَلَى الدَّارِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَ الدَّارَ وَسَكَنَ الدَّارَ مَعَهُمْ ثُمَّ طَلَبَ الْقِسْمَةَ هُوَ وَوَارِثٌ آخَرُ غَيْرُ الْبَائِعِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَالْقَاضِي يَقْسِمُ الدَّارَ، وَكَذَلِكَ إذَا طَلَبَتْ الْوَرَثَةُ دُونَ الْمُشْتَرِي فَالْقَاضِي يَقْسِمُ الدَّارَ بَيْنَهُمْ بِطَلَبِهِمْ وَجَعَلَ نَصِيبَ الْغَائِبِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَقْضِي بِالشِّرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي قَبَضَ الدَّارَ عَزَلَ نَصِيبَ الْوَارِثِ الْغَائِبِ وَلَا يَدْفَعُ إلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي طَلَبَ الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْوَرَثَةُ لَمْ أَقْسِمْ؛ لِأَنِّي لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ مَالِكٌ وَلَا أَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ عَلَى مَا اشْتَرَى وَالْبَائِعُ غَائِبٌ، وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وَهُوَ مَشَاعٌ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ أَمَرَ الْبَائِعَ أَنْ يُقَاسِمَ صَاحِبَ الدَّارِ وَيَقْبِضَ نَصِيبَهُ فَقَاسَمَهُ لَمْ يَجُزْ الْقِسْمَةُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَارٌ وَنِصْفُ دَارٍ وَاقْتَسَمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الدَّارَ وَالْآخَرُ نِصْفَ الدَّارِ جَازَ وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ أَفْضَلَ قِيمَةً مِنْ نِصْفِ الدَّارِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا اصْطَلَحَ الرَّجُلَانِ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا دَارًا وَالْآخَرُ مَنْزِلًا فِي دَارٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِهَامًا مَعْلُومَةً مِنْ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ أَوْ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا دَارًا وَالْآخَرُ عَبْدًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الِاصْطِلَاحِ فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ كَانَتْ مِائَةُ ذِرَاعٍ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ وَمِائَةُ ذِرَاعٍ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ الدَّارِ الْأُخْرَى فَاقْتَسَمَا عَلَى أَنَّ لِهَذَا مَا فِي هَذِهِ الدَّارِ مِنْ الذُّرْعَانِ وَلِهَذَا مَا فِي هَذِهِ الدَّارِ الْأُخْرَى لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا كَانَ مِيرَاثٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِي دَارٍ وَمِيرَاثٌ فِي دَارٍ أُخْرَى فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مَا فِي هَذِهِ الدَّارِ وَلِلْآخَرِ مَا فِي تِلْكَ الدَّارِ وَزَادَ مَعَ ذَلِكَ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً فَإِنْ كَانَا سَمَّيَا السِّهَامَ كَمْ هِيَ سَهْمًا مِنْ كُلِّ دَارٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ سَمَّيَا مَكَانَ السِّهَامِ أَذْرُعًا مُسَمَّاةً مُكَسَّرَةً جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: وَلَمْ يَجُزْ فِي