قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
دَارَانِ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ اقْتَسَمُوهَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمْ إحْدَى الدَّارَيْنِ وَالثَّانِي الدَّارَ الْأُخْرَى عَلَى أَنْ يَرُدَّ الَّذِي أَخَذَ الدَّارَ الْكُبْرَى عَلَى الَّذِي لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ الدَّارَ الْكُبْرَى اثْنَانِ مِنْهُمْ وَأَخَذَ الثَّالِثُ الدَّارَ الصُّغْرَى وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ دَارٌ وَاحِدَةٌ بَيْنَهُمْ وَأَخَذَهَا اثْنَانِ مِنْهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً مَعْلُومَةً عَلَى أَنْ يَرُدَّا عَلَى الثَّالِثِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطُوا عَلَى أَحَدِهِمَا ثُلُثَيْ الدَّرَاهِمِ لِيَدْخُلَ فِي مَنْزِلِهِ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ يَكُونُ هُوَ مُشْتَرِيًا ثُلُثَيْ نَصِيبِ الثَّالِثِ وَصَاحِبُهُ الثُّلُثَ، وَكَذَلِكَ دَارٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ اقْتَسَمَاهَا نِصْفَيْنِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ عَبْدًا بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ يَزِيدَ الْآخَرُ مِائَةَ دِرْهَمٍ جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ اقْتَسَمَاهَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الْبِنَاءَ وَيَأْخُذَ الْآخَرُ الْخَرَابَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ صَاحِبُ الْبِنَاءِ عَلَى الْآخَرِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً فَهُوَ جَائِزٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا السُّفْلَ وَالْآخَرُ الْعُلْوَ وَاشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ اقْتَسَمَا الثِّيَابَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ هَذَا رَدَّ دِرْهَمًا وَمَنْ أَصَابَهُ هَذَا رَدَّ دِرْهَمَيْنِ جَازَ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِذَا كَانَتْ الْقَرْيَةُ وَالْأَرْضُ بَيْنَ قَوْمٍ اقْتَسَمُوا الْأَرْضَ مِسَاحَةً عَلَى أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ شَجَرٌ أَوْ بُيُوتٌ فِي أَرْضِهِ فَعَلَيْهِ بِقِيمَتِهَا دَرَاهِمُ فَهُوَ جَائِزٌ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
شَرِيكَانِ اقْتَسَمَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الصَّامِتَ وَلِلْآخَرِ الْعُرُوضَ وَقُمَاشَ الْحَانُوتِ وَالدُّيُونَ الَّتِي عَلَى النَّاسِ عَلَى أَنَّهُ إنْ تَوِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الدُّيُونِ رَدَّ عَلَيْهِ نِصْفَهُ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَجُوزُ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ مَا أَخَذَ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَاهَا عَلَى أَنْ يَزِيدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً فَهُوَ جَائِزٌ ثُمَّ كُلُّ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا مُسْتَحَقًّا بِالْبَيْعِ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ عِنْدَ تَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ فَالنُّقُودُ حَالَّةً كَانَتْ أَوْ مُؤَجَّلَةً وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ مُعَيَّنًا أَوْ مَوْصُوفًا مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ فَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا فِي السَّلَمِ وَالْإِجَارَاتِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - إنْ بَيَّنَا لِلتَّسْلِيمِ مَكَانًا جَازَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَا جَازَتْ الْقِسْمَةُ وَيَتَعَيَّنُ لِلتَّسْلِيمِ مَوْضِعُ الدَّارِ وَكَانَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَتَعَيَّنَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ كَمَا فِي السَّلَمِ عِنْدَهُمَا وَلَكِنَّهُمَا اسْتَحْسَنَا فَقَالَا: تَمَامُ الْقِسْمَةِ يَكُونُ عِنْدَ الدَّارِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ فَتَعَيَّنَ مَوْضِعُ الْوُجُوبِ فِيهِ لِلتَّسْلِيمِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ عِنْدَهُمَا يَتَعَيَّنُ مَوْضِعُ الدَّارِ لَا مَوْضِعُ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِعَيْنِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ مَوْصُوفًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَوْصُوفٍ مُؤَجَّلًا كَانَ أَوْ حَالًّا وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ ثِيَابًا مَوْصُوفَةً إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ لَهُ أَجَلًا لَمْ يَجُزْ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ قِسْمَةِ الدُّورِ بِالدَّرَاهِمِ يَزِيدُهَا.
وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَاهَا فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا مُقَدَّمَهَا وَهُوَ الثُّلُثُ وَالْآخَرُ أَخَذَ مُؤَخَّرَهَا وَهُوَ الثُّلُثَانِ جَازَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَأَخَذَ صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ بِنَصِيبِهِ بَيْتًا شَارِعًا وَصَاحِبُ الثُّلُثِ بِنَصِيبِهِ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ حَقِّهِ فَهَذَا جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الَّذِي وَقَعَ فِي قِسْمَةِ الْآخَرِ لَيْسَتْ لَهُ غَلَّةٌ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِذَا اقْتَسَمَا دَارًا بَيْنَهُمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً مِنْ الدَّارِ عَلَى أَنْ يَرْفَعَا طَرِيقًا بَيْنَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثَاهُ فَهَذَا جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ مِلْكٌ لَهُمَا مَحَلٌّ لِلْمُعَاوَضَةِ وَإِذَا اقْتَسَمَ الرَّجُلَانِ دَارًا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ مِنْ مُؤَخَّرِهَا بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَيَأْخُذَ الْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ مِنْ مُقَدَّمِهَا بِحَقِّهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا غَبْنٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ قِسْمَةِ الدُّورِ بِتَفْصِيلِ بَعْضِهَا.
وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ اقْتَسَمَاهَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا قَدْرَ النِّصْفِ وَأَخَذَ الْآخَرُ قَدْرَ الثُّلُثِ وَرَفَعَا طَرِيقًا بَيْنَهُمَا قَدْرَ السُّدُسِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ لِصَاحِبِ الْأَقَلِّ وَلِلْآخَرِ فِيهِ حَقُّ الْمُرُورِ فَهُوَ جَائِزٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي جَوَازِ بَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ رِوَايَتَيْنِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ الْعِلَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ هَذِهِ