شَرْحِ الْهِدَايَةِ.

إذَا أُكْرِهَ الرَّجُلُ بِوَعِيدِ قَيْدٍ أَوْ حَبْسٍ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ فَفَعَلَ لَا يَصِحُّ الْإِكْرَاهُ وَعَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ فِي قَوْلِهِمْ، كَذَا فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

إذَا أَكْرَهَ السُّلْطَانُ رَجُلًا بِالْقَتْلِ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ يَدَ نَفْسِهِ وَسِعَهُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ إنْ شَاءَ، فَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ خَاصَمَ الْمُكْرِهَ فِي ذَلِكَ فَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقَوَدُ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ بِالْقَتْلِ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ لَا يَسَعْهُ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ، وَلَوْ قَتَلَ نَفْسَهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُكْرِهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. .

وَلَوْ قَالَ السُّلْطَانُ لِرَجُلٍ أَلْقِ نَفْسَكَ فِي هَذِهِ النَّارِ وَإِلَّا لَأَقْتُلَنَّكَ يَنْظُرُ إنْ كَانَتْ النَّارُ قَدْ يَنْجُو مِنْهَا وَقَدْ لَا يَنْجُو وَسِعَهُ أَنْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ فِيهَا، فَإِنْ أَلْقَى وَمَاتَ كَانَ عَلَى الْآمِرِ الْقِصَاصُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِنْ كَانَتْ النَّارُ بِحَيْثُ لَا يَنْجُو مِنْهَا لَكِنْ لَهُ فِي إلْقَاءِ النَّفْسِ قَلِيلُ رَاحَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ فِيهَا، فَقِيلَ: إنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِيهَا فَهَلَكَ كَانَ عَلَى الْآمِرِ الْقِصَاصُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْآمِرِ وَلَا قِصَاصَ وَلَا يُغَسَّلُ هَذَا الْمَيِّتُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي إلْقَاءِ النَّفْسِ قَلِيلُ رَاحَةٍ وَلَا يَنْجُو مِنْهَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ، فَإِنْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِيهَا فَهَلَكَ يُهْدَرُ دَمُهُ فِي قَوْلِهِمْ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَلَوْ قَالَ السُّلْطَانُ لِرَجُلٍ: أَلْقِ نَفْسَكَ فِي هَذَا الْمَاءِ وَإِلَّا لَأَقْتُلَنَّكَ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْجُو لَا يَسَعْهُ أَنْ يَفْعَلَ، فَإِنْ فَعَلَ يُهْدَرُ دَمُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَدْنَى رَاحَةٍ يَسَعُهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَهُمَا لَا يَسَعُهُ، فَإِنْ فَعَلَ فَهَلَكَ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ الْآمِرُ بِنَفْسِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: دِيَتُهُ عَلَى الْآمِرِ فِي مَالِهِ وَلَا قِصَاصَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِوَايَةٍ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَلَوْ قَالَ لَهُ: لَتَقْطَعَنَّ يَدَكَ أَوْ لَأَقْطَعَنَّهَا أَنَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَ نَفْسِهِ، وَلَوْ قَطَعَ هُدِرَتْ يَدُهُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: لَتَقْتُلَنَّ نَفْسَكَ بِالسَّيْفِ أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ بِالسِّيَاطِ أَوْ ذَكَرَ لَهُ نَوْعًا مِنْ الْقَتْلِ هُوَ أَشَدُّ مِمَّا أَمَرَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ وَسِعَهُ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ بِالسَّيْفِ، وَإِذَا قَتَلَ نَفْسَهُ بِالسَّيْفِ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَلَوْ قَالَ السُّلْطَانُ لِرَجُلٍ: لَتُلْقِيَنَّ نَفْسَكَ مِنْ شَاهِقِ الْجَبَلِ وَإِلَّا لَأَقْتُلَنَّكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْإِلْقَاءِ أَدْنَى رَاحَةٍ لَا يَسَعُهُ الْإِلْقَاءُ، فَإِنْ أَلْقَى فَهَلَكَ هُدِرَ دَمُهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ أَدْنَى رَاحَةٍ يَسَعُهُ أَنْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنْ أَلْقَى نَفْسَهُ فَهَلَكَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ، وَفِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ، فَإِنْ فَعَلَ فَهَلَكَ كَانَ عَلَى الْآمِرِ الْقِصَاصُ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَعِنْدَهُمَا يُوجِبُ، وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ كَفِعْلِ الْآمِرِ، وَلَوْ أَلْقَاهُ الْآمِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِوَايَةٍ عَلَى الْآمِرِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ يَخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكَ وَيَرْجُو النَّجَاةَ وَأَلْقَى نَفْسَهُ فَهَلَكَ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ كَقَاتِلِ الْخَطَأِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَلَوْ قَالَ السُّلْطَانُ لِرَجُلٍ اقْطَعْ يَدَ فُلَانٍ وَإِلَّا لَأَقْتُلَنَّكَ وَسِعَهُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَ فُلَانٍ، وَإِذَا قَطَعَ كَانَ الْقِصَاصُ عَلَى الْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَلَوْ أُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ لَيَكْفُرَنَّ بِاَللَّهِ أَوْ لَيَقْتُلَنَّ هَذَا الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ كَانَ فِي سَعَةٍ أَنْ يَكْفُرَ بِاَللَّهِ إذَا كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ وَلَا يَسَعُهُ الْقَتْلُ، وَإِنْ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ ذَلِكَ أَعْظَمَ أَجْرًا، وَإِنْ أَبَى الْكُفْرَ وَقَتَلَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ أَنْ لَا يُقْتَلَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا أَنَّ الْكُفْرَ يَسَعُهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَلَكِنْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَأَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْكُفْرَ يَسَعُهُ وَمَعَ هَذَا قَتَلَ ذَلِكَ الرَّجُلَ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا الْفَصْلَ فِي الْأَصْلِ، وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَوَدُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَلَوْ قِيلَ لَهُ: لَيَأْكُلَنَّ هَذِهِ الْمَيْتَةَ أَوْ يَقْتُلَ هَذَا الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ وَلَا يَقْتُلَ الرَّجُلَ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْهَا حَتَّى قُتِلَ فَهُوَ آثِمٌ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنْ أَكْلَ الْمَيْتَةِ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ الْمَيْتَةَ وَقَتَلَ الْمُسْلِمَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةِ الْمَيْتَةِ لِإِيجَابِ الْقَوَدِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يَسَعُهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015